واعلمْ أنك لا تَشْفي العلَّةَ ولا تنْتهي إلى ثلجِ اليقين، حتى تتجاوزَ حدَّ العلم بالشيء مجْملاً إلى العِلْم به مفصَّلاً، وحتى لا يُقْنِعَك إلا النظرُ في زواياه والتغلغل في مكامنه، وحتى تكون كمَنْ تتَبَّع الماءَ حتى عرَفَ منْبَعهَ وانتهى في البحث عن جوهرِ العُود الذي يُصْنَع فيه، إلى أنْ يعْرِفَ منْبِتَه ومجرى عُروقِ الشجر الذي هو منه. وإنَّا لنراهم يقيسونَ الكلام في معنى المعارَضة، على الأعمالِ الصناعيةِ كنَسْج الديباجِ وصَوْغِ الشَّنْفِ والسِّوَار وأنواعِ ما يُصاغُ، وكلِّ ما هو صَنْعةٌ وعملُ يَدٍِ بعد أن يَبلُغَ مبلغاًً يقعُ التفاضُلُ فيه، ثم يَعظُم حتى يَزيدَ فيه الصانعُ على الصانِع زيادةً يكون له بها صيتٌ ويدخُلُ في حدِّ ما يَعْجَزُ عنه الأكثرونَ.