للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أراك في هذا كلِّه أنَّ الخبرَ محذوف؛ وقد تَرى حُسْنَ الكلامِ وصحَّتَه مع حذفِه وترْكِ النطقِ به؛ ثم إنَّك إِنْ عمَدْتَ إلى "إِنَّ" فأسقطتَها وجدْتَ الذي كان حسُنَ من حذف الخبرِ، لا يَحْسُنُ أو لا يَسوغُ. فلو قلتَ: (مالٌ وعددٌ ومحلٌّ ومرتحلٌ وغيرُها إبلاً وشاءً): لم يكنْ شيئاً. وذلك أنَّ "إِنَّ" كانت السَّببَ في أنْ حَسُنَ حذفُ الذي حُذِفَ من الخَبر، وأنها حاضِنتُهُ والمترجِمُ عنه والمتكفِّلُ بشأنه.

واعلمْ أنَّ الذي قلنا في "إنَّ" من أنها تدخلُ على الجملة، من شأنها إذا هي أُسقطتْ منها أن يُحتاجَ فيها إلى (الفاء)، لا يَطِّردُ في كلِّ شيءٍ وكلِّ موضعٍ، بل يكونُ في موضعٍ دونَ موضعٍ، وفي حالٍ دون حالٍ، فإنك قد تَراها قد دَخَلتْ على الجملة ليستْ هي مما يقتضي (الفاء)، وذلك فيما لا يُحصى، كقوله تعالى: {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الدخان: ٥١ـ٥٢] وذاك أنَّ قبلَه: {إِنَّ هاذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان: ٥٠] ومعلومٌ أنَّك لو قلتَ: (إنَّ هذا ما كنتُم به تمترون، فالمتَّقون في جناتٍ وعيون) لم يكنْ كلاماً. وكذلك قوله: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولائك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأَنبياء: ١٠١] لأنَّك لو قلتَ: (لهمْ فيها زَفِيرٌ وهم فيها لا يسمعون، فالذين سبقت لهم من الحسنى): لم تَجِدْ لإدخالك (الفاء) فيه وجهاً. وكذا قولُه: {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} [الحج: ١٧] جملة في موضع الخبر، ودخولُ (الفاء) فيها محالٌ، لأنَّ الخبر لا يُعطَف على المبتدأ. ومثلُه سواءٌ {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف: ٣٠].

<<  <   >  >>