للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني أن تُريد الذي ذكَرْناه في (إنما) ويكون كلاماً تقولُه ليُعْلَم أنَّ الجائي زيدٌ لا غيره. فمن ذلك قولُكَ للرجل يَدَّعي أنك قلت قولاً ثم قلتَ خلافَهُ: (ما قلتُ اليوم إلاَّ ما قلتُه أمسِ بعينه). ويقولُ: لم تَر زيداً وإنما رأيتَ فلاناً: فتقول: (بلْ لم أرَ إلا زيداً). وعلى ذلك قولُه تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: ١١٧]؛ لأنه ليس المعنى أني لم أزد على ما أمَرْتني به، شيئاً، ولكنَّ المعنى أني لم أدَّع ما أمَرْتَني به أن أقولَه لهم، وقلتُ خِلافَه، ومثالُ ما جاءَ في الشعر، مِنْ ذلك قوله [من السريع]:

قد عَلِمَتْ سَلْمى وجاراتُها ... ما قطَّر الفارسَ إلاَّ أنا

المعنى: أنا الذي قَطَّر الفارسَ، وليس المعنى على أنه يُريد أن يَزْعُم أنه انفردَ بأن قطَّره، وأنَّهُ لم يُشْركْهُ فيه غيرُه.

وههنا كلامٌ ينبغي أنْ تعلَمه، إلاَّ أنِّي أكتُبُ لكَ من قبلِه مسألةً لأنّ فيها عوناً عليه. قولُه تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: ٢٨]. في تقديم اسم الله عزَّ وجلَّ معنى، خلافُ ما يكونُ لو أُخِّرَ؛ وإنما يَبِينُ لك ذلك إذا اعتبرتَ الحُكْم في (ما وإلاَّ) وحصلْتَ الفرْقَ بين أن تقول: (ما ضَرَبَ زيداً إلاَّ عمرو)، وبينَ قولِك: (ما ضرَبَ عمروٌ إلا زيداً). والفرقُ بينهما أنك إذا قلتَ: (ما ضرَبَ زيداً إلا عمرو) فقدَّمْتَ المنصوبَ، كان الغرَضُ بيانَ الضاربِ: مَنْ هُو، والإخبارُ بأنه عمرو خاصةً دون غيره. وإذا قلتَ: (ما ضرَب عمرو إلاَّ زيداً)، فقدَّمتَ المرفوعَ، كان الغرضُ بيانَ المضروبِ: مَنْ هو والإخبار بأنه زيدٌ خاصَّةً دونَ غيرِه.

<<  <   >  >>