للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذْ قد عرفْتَ ذلك فاعتبرْ به الآية؛ وإذا اعتبرْتَها بهِ، علمتَ أنَّ تقديمَ اسم الله تعالى إنما كان لأجْلِ أنَّ الغرضَ أن يبيَّن الخاشونَ مَنْ هُمْ، ويُخْبَر بأنهم العلماءُ خاصةً دون غيرهم؛ ولو أُخِّر ذكْرُ اسم الله، وقُدِّم العلماءُ فقيل: (إنما يخشَى العلماءُ الله)، لصارَ المعنى على ضدِّ ما هو عليه الآن، ولصار الغرَضُ بيانَ المَخْشيِّ مَنْ هو والإخبارُ بأنه الله تعالى دون غيرِه، ولم يَجِبْ حينئذٍ أن تكونَ الخَشْيَةُ مِنَ الله تعالى مقصورةً على العلماء، وأن يكونوا مَخْصوصين بها، كما هو الغرضُ في الآية، بل كان يكونُ المعنى أنَّ غيرَ العلماء يَخشَوْن الله تعالى أيضاً، إلاَّ أَنَّهم مع خَشْيتهم الله تعالى، يخشَوْنَ معه غيرَه. والعلماءُ لا يَخْشَونَ غيرَ الله تعالى. وهذا المعنى وإنْ كان قد جاءَ في التنزيل في غيرِ هذه الآية، كقوله تعالى: {وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله} [الأحزاب: ٣٩]، فليس هو الغرضَ في الآية، ولا اللفظُ بمُحْتملِ له البتَّة. ومن أجازَ حَمْلَها عليه كان قد أبطَلَ فائدةَ التقديمِ، وسوَّى بين قولِه تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: ٢٨] وبينَ أنْ يُقالَ: (إنما يخشَى العلماءُ الله). وإذا سوَّى بينهما لَزمَه أن يسوِّيَ بين قولِنا: (ما ضَرَبَ زيداً إلا عمرو). وبينَ: (ما ضرَب عمرو إلاَّ زيداً). وذلك ما لا شُبْهةَ في امتناعه.

فهذه هي المسألةُ. وإذْ قد عرفْتَها فالأمر فيها بيِّنٌ أَنَّ الكلامَ بـ (ـما وإلاَّ) قد يكونُ في معنى الكلام بـ (إنما)؛ ألا تَرى إلى وضوح الصورة في قولك: (ما ضربَ زيداً إلا عمرو، وما ضرب عمرو إلا زيداً)، أنه في الأول: لِبَيانِ مَن الضاربُ، وفي الثاني: لَبيانَ منْ المضروبُ، وأنْ كان تكلُّفاً أن تَحْمِله على نفْي الشركةِ فتريدُ: بـ (ما ضرَب زيداً إلاَّ عمرو) أَنه لم يضرِبْهُ اثنانِ وبـ (ـما ضرَب عمرو إلاَّ زيداً) أنه لم يَضْرِب اثنين؟

<<  <   >  >>