للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَأنَّا يومَ قُرَّى إنَّـ ... ـما نَقْتُل إيَّانا

لأنه ليس به ضرورةٌ إلى ذلك، من حيث إنَّ (أدافِعُ ويُدافِعُ) واحد في الوزن، فاعرفْ هذا أيضاً!

وجملةُ الأمر أنَّ الواجبَ، أنْ يكونَ اللفظُ على وجهٍ يَجعلُ الاختصاصَ فيه للفرزدق، وذلك لا يكونُ إلاَّ بأنْ يُقدِّم (الأحسابَ) على ضميرِه. وهو لو قال: وإنما أُدافِع عن أَحسابهم)، استكنَّ ضميرُه في الفعل. فلم يتصوَّر تقديم (الأحسابِ) عليه ولم يقع (الأحساب) إلاَّ مؤخَّراً عن ضَمير الفرزدق. وإذا تأخرتْ انصرفَ الاختصاصُ إليها لا مَحالة.

فإنْ قلتَ: إنه كان عليه أنْ يقول "وإنما أُدافِعُ عن أحسابهم أَنا" فيُقدِّم (الأحسابَ) على (أنا)، قيل: إنه إذا قال: "أُدافِع": كان الفاعلُ الضميرَ المستكنَّ في الفعل، وكان (أنا) الظاهرُ تأكيداً له، أعني لِلمستكنِّ، والحكْمُ يتعلق بالمؤكَّد دون التأكيد، لأنَّ التأكيدَ كالتكرير، فهو يجيءُ من بَعْد نفوذِ الحكْم ولا يكون تقديمُ الجارِّ مع المَجْرور، الذي هو قولُه (عن أحسابهم) على الضمير الذي هو تأكيدٌ، تقديماً له على الفاعل، لأنَّ تقديمَ المفعول على الفاعلِ إنما يَكونُ إذا ذكرتَ المفعولَ قبل أن تذْكُر الفاعلَ؛ ولا يكونُ لك إذا قلتَ: (وإنما أُدافعُ عن أحسابهم): سبيلٌ إلى أن تَذْكُر المفعولَ قبل أن تذكُرَ الفاعل، لأنَّ ذكْرَ الفاعلِ ههنا هو ذكْرُ الفعل من حيثُ إنَّ الفاعلَ مستكِنَّ في الفعل، فكيف يُتَصوَّرُ تقديمُ شيءٍ عليه؟ فاعرفْه!

<<  <   >  >>