للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أَنَّ الأمرَ في المبتدأ والخَبر إنْ كانا بعد "إنما" عَلَى العبرةِ التي ذكرتُ لكَ في الفاعل والمفعول إِذا أنتَ قدَّمْتَ أَحدَهما على الآخر، معنى ذلك أنك إنْ تركتَ الخبرَ في موضِعهِ فلَمْ تُقدِّمه على المبتدأ، كان الاختصاصُ فيه، وإن قدَّمْتَه على المبتدأ صار الاختصاصُ الذي كان فيه، في المبتدأ تفسيرُ هذا أَنك تقولُ: (إنما هذا لك): فيكون الاختصاصُ في "لك" بدلالةِ أَنك تقولُ: (إنما هذا لك لا لِغيرك): وتقول: (إنما لكَ هذا)، فيكونُ الاختصاصُ في "هذا" بدلالةِ أنك تقول: (إنما لكَ هذا لا ذاك)، والاختصاصُ يكون أبداً في الذي إذا جئتَ بـ (ـلا) العاطفة كان العطفُ عليه. وإنْ أردْتَ أن يزدادَ ذلك عندَكَ وضوحاً، فانظرْ إلى قوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب} [الرعد: ٤٠] وقوله عزَّ وعَلاَ: {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} [التوبة: ٩٣] فإنَّك تَرَى الأمرَ ظاهراً أنَّ الاختصاصَ في الآية الأولى، في المبتدأ الذي هو البلاغُ والحسابُ دون الخبرِ الذي هو عليك وعلينا، وأنَّه في الآية الثانيةِ في الخَبر الذي هو "عَلَى الذين" دون المبتدأ الذي هو "السبيلُ".

واعلمْ أَنه إذا كان الكلامُ بـ (ما وإلاَّ) كان الذي ذكرتُه مِنْ أنَّ الاختصاصَ يكونُ في الخبر إنْ لم تقدِّمْه وفي المبتدأ إن قدَّمْتَ الخبرَ، أوضحَ وأَبْيَنَ: تقول: (ما زيدٌ إلاَّ قائم)، فيكون المعنى أنَّكَ اختَصَصْتَ القيامَ من بينِ الأوصافِ التي يُتوهَّم كونُ زيدٍ عليها بجَعْله صفةً له. وتقول: (ما قائم إلا زيد)، فيكون المعنى أَنك اختصصْتَ زيداً بكونه موصوفاً بالقايم، فقد قصَرْتَ في الأول الموصوفَ على الصفةِ، وفي الثاني الصفةَ على الموصوفِ.

<<  <   >  >>