للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنْ قيلَ: فإنَّه كما يَنْفي الإلهَيْن، كذلك ينفي الآلهةَ؛ وإذا كان كذلك وجَبَ أنْ يكونَ تقديرُهم صحيحاً، كتقديركَ: قيل هو كما قلتَ: ينفي الآلهةَ. ولكنَّهم إذا زَعموا أنَّ التقديرَ "ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ" وكان ذلك، والعياذُ باللهِ من الشِّرْك، يَقْتضي إثباتَ آلهةٍ كانوا قد دفَعوا هذا النفيَ وخالفُوه وأَخْرجُوه إلى المناقَضَة. فإذا كان كذلك، كان مُحالاً أن يكونَ للصحة سبيلٌ إلى ما قالوه، وليس كذلك الحالُ فيما قدَّرْناه، لأنَّا لم نُقَدِّرْ شيئاً يقتضي إثباتَ إلهيَنْ - تعالَى اللهُ - حتى يكونَ حالُنا حالَ مَنْ يَدفَعُ ما يُوجِبُه هذا الكلامُ من نَفْيهِما. يُبيِّنُ لك ذلِكَ أَنه يَصِحُّ لنا أَنْ نَتَّبعَ ما قدَّرناه نفْي الاثنينِ ولا يَصِحُّ لهم. تفسيرُ ذلك أنَّه يصِحُّ أن تقولَ: (ولا تَقولوا لنا آلهةٌ ثلاثةٌ ولا إلهان)؛ لأنَّ ذلك يَجْري مَجرْى أَنْ تقولَ: (ليس لنا آلهةٌ ثلاثةٌ ولا إلهان). هذا صحيح. ولا يصِحُّ لهم أَنْ يقولوا: (ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ ولا إلهانِ)، لأنَّ ذلك يجري مجرى أنّ يقولوا: (ولا تقولوا آلهتُنا إلهَانِ): وذلك فاسدٌ فاعرفْه وأَحْسِنْ تأمُّلَهُ!

ثم إنَّ ههنا طريقاً آخَرَ وهو أَنْ تُقَدِّر: (ولا تقولوا اللهُ والمسيحُ وأُمُّه ثلاثةٌ) أي نَعْبدُهما كما نَعبدُ اللهَ. يُبيِّنُ ذلك قولُه تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة: ٧٤]. وقد استقرَّ في العُرْفِ أنَّهم إذا أرادوا إلحاقَ اثنينِ بواحدٍ في وصفٍ منَ الأوصافِ، وأنْ يَجْعلوهُما شَبيهَيْن له، قالوا: هُمْ ثلاثةٌ: كما يقولونَ، إذا أرادوا إلحاقَ واحدٍ بآخرَ وجَعْلَه في معناه: هما اثنانِ. وعلى هذا السبيل كأنَّهم يقولون: هُم يُعَدُّونَ معَداً واحداً ويُوجِبُ لهم التساويَ والتشارُكَ في الصفةِ والرتبةِ وما شاكَل ذلكَ.

<<  <   >  >>