للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كحالهِ في قولِنا: (إنه ليس ببديع في قُدْرة اللهِ أن يَجْمع فضائلَ الخَلْقِ كلِّهم في واحد)، ويرتكبوا ذلك في الكلام كلِّه حتى يَزْعموا أنَّا إذا قلْنا، في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} [البقرة: ١٧٩]: إنَّ المعنى فيها أنه لمَّا كان الإنسانُ إذا هَمَّ بقَتْلِ آخَر لِشيءٍ غاظَهُ منه، فذَكَر أَنَّه إنْ قَتَله قُتِلَ، ارتَدَعَ، صار المهمومُ بِقَتْله، كأنه قد استفادَ حياةً فيما يَسْتَقبِلُ بالقِصاص، كنا قد أَدَّينا في تفسيرنا هذا على صورته التي هو عليها في الآية، حتى لا نَعرفَ فضْلاً، وحتى يكونَ حالُ الآية والتفسيرِ حالَ اللفظتين: إحداهما غريبةٌ والأخرى مشهورة، فتُفَسَّر الغريبةُ المشهورة، مثْلَ أن تقولَ مثَلاً في "الشوقب" إنه: الطويلُ، وفي "القطَّ" إنه: الكِتاب، وفي "الدُسُّرِ" إنه المَسامير. ومَنْ صارَ الأمرُ به إلى هذا، كان الكلامُ معه مُحالاً.

واعلمْ أَنه ليسَ عَجيبٌ أعجبَ مِن حالِ مَن يَرى كلامَيْن، أجزاءُ أحَدِهما مخالِفةٌ في معانيها لأجزاءِ الآخَر، ثم يَرى أنه يَسَعُ في العقْلِ أن يكونَ معنى أحَدِ الكلامَيْن مثْلَ معنى الآخر سواءٌ، حتى يَتصدَّى فيقولُ: إنه لو كان يكونُ الكلامُ فَصيحاً مِن أجْل مزيَّةٍ تكونُ في معناه، لكانَ يَنبغي أَن تُوجَد تلكَ المزيةُ في تفسيره. ومثْلُه في العَجَب أنه يَنظُرُ إلى قوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} [البقرة: ١٦] فيرَى إعرابَ الاسْم الذي هو "التجارة" قد تغيَّر، فصارَ مرفوعاً بعد أن كان مجروراً، ويرَى أنه قد حُذِفَ من اللفظ بعضُ ما كان فيهِ وهو "الواو" في "ربحوا" و"في" من قولنا: (في تجارتهم). ثم لا نَعلم أنَّ ذلك يَقْتضي أن يكونَ المعنى قد تَغيَّر كما تغيَّر اللفظُ.

واعلمْ أَنه ليسَ للحِجَجِ والدلائل في صحَّةِ ما نحن عليه، حَدٍّ ونهايةٌ. وكلَّما انتهى منه بابٌ انفتَحَ فيه بابٌ آخر. وقد أردتُ أن آخذ في نوعٍ آخر من الحِجَاج ومن البَسْط والشرح، فتأملْ ما أكْتبُه لك!.

بيان الفصاحة في اللفظ والفصاحة في النظم

<<  <   >  >>