وكذلك قولُهم: لفظٌ ليس فيه فضْلٌ عن معناه: حالٌ أنْ يكونَ المرادُ به اللفظَ، لأنه ليس هاهنا اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ يَزيد على معناه أو ينقُصُ عنه. كيف وليس بالذَّرْع وُضِعَت الألفاظُ على المعاني. وإن اعتبْرنا المعانيَ المستفادةَ من الجمل، فكذلك؛ وذلك أَنه ليس هاهنا جملةً، مِنْ مبتدإ وخَبرٍ أو فِعْل وفاعلٍ يَحْصُل به الإثباتُ أو النفيُ، أَتمُّ أو أَنْقَصُ مما يحصُل بأُخْرى، وإنما فضْلُ اللفظِ عن المعنى أَن تُريدَ الدلالة بمعنى على معنى فتُدْخِلَ في أثناءِ ذلك شيئاً لا حاجةَ بالمعنى المدلولِ عليه، إِليه. وكذلك السبيلُ في السَّبْكِ والطابع وأَشباهِهما لا يحُتَملُ شيءٌ من ذلك أن يكونَ المُرادُ به اللفظَ من حيثُ هو لفظٌ.
جهل القائلين بفصاحة اللفظ وكشف شبهتهم
فإن أردتَ الصدقَ، فإنك لا تَرى في الدنيا شأناً أَعْجبَ من شأنِ الناسِ مع اللفظ، ولا فسادَ رأيٍ مازَجَ النفوسَ وخامرَها، واستحكَمَ فيها وصارَ كإحدى طبائعِها، أَغْرَبَ من فسادِ رأيهم في اللفظ؛ فقد بلَغَ من مَلَكتهِ لهم وقُوَّتهِ عليهم، أنْ تَرَكهم وكأنَّهم إذا نُوظِروا فيه أخذَوا عن أنفُسِهم، وغيَّبوا عن عقولهم، وحِيلَ بينَهم وبينَ أنْ يكونَ لهم فيما يَسْمعونَه نَظَرٌ، ويُرى لهم إيرادُ في الإصغاء وصَدَرُ، فلستَ تَرَى إلاَّ نفوساً قد جَعلَتْ تَرْكَ النظرِ دأْبَها، ووَصَلَتْ بالهوينا أَسبابَها؛ فهي تَغْتَرُّ بالأضاليلِ، وتَتباعَدُ عن التحصيلِ، وتُلْقي بأيديها إلى الشَّبَه، وتُسْرعُ إلى القولِ المُمَوَّهِ.