فإنَّك إذا نظَرْتَ، لم تَشُكَّ في أنَّ الأصْل والأساسَ هو قولُه:(وما حملتْ أُمُّ امرىءٍ): وأنَّ ما جاوزَ ذلك من الكلمات إلى آخِر البيت، مستَندٌ ومبنيٍّ عليه، وأنك إنْ رفعتَهُ لم تجِدْ لشيءٍ منها بياناً، ولا رأيتَ لذِكْرها مَعنى، بل تَرى ذِكْرك لها إن ذكَرْتَها هذياناً؛ والسبَبُ الذي مِنْ أجْله كان كذلك، أنَّ مِنْ حُكْم كل ما عدا جزْءَي الجملة - الفعلُ والفاعلُ والمبتدأُ والخَبر - أن يكونَ تحقيقاً للمعنى المثبَتِ والمَنْفيِّ. فقوله:"في ضلوعها"، يُفيدُ أولاً أنه لم يُرِدْ نفْيَ الحَمْلَ على الإطلاق، ولكنِ الحَمْلَ في الضلوع. وقوله:"أعقَّ"، يُفيد أنه لم يُرِد هذا الحَمْلَ الذي هو حَملٌ في الضلوع أيضاً على الإطلاق، ولكنْ "حمْلاً في الضلوع" محمولُه أَعَقُّ من الجاني عليها هجاؤهُ. وإذا كان ذلك كلُّه تخصيصاً للحَمْل، لم يُتصوَّر أن يُعْقَل من دون أن يُعْقَلَ نفْيُ الحَمْل، لأنه لا يُتصوَّرُ تخصيصُ شيءٍ لم يدخل في نفيٍ ولا إثبات، ولا ما كان في سبيلهما من الأمر به والنهي عنه والاستخبار عنه.
وإذْ قد ثبَتَ أَن الخَبر وسائرَ معاني الكلام معانٍ يُنْشئُها الإنسانُ في نفسه، ويُصرِّفُها في فِكْره، ويُناجي بها قَلْبَه، وَيرْجعُ فيها إليه، فاعلمْ أَنَّ الفائدةَ في العلم بها واقعةٌ من المُنْشِىءِ لها، صادرةٌ عن القاصِدِ إليها. وإذا قلتَ في الفعل إنه موضوعٌ للخَبَرِ، لم يكن المعنى فيه أنه موضوعٌ لأنَّ يُعْلَم به الخبَرُ في نفسه وجنسِه، ومن أَصْلهِ، وما هو. ولكنَّ المعنى أنه موضوعٌ، حتى إذا ضَممتَه إلى اسمٍ عُقِلَ منه، ومن الاسم، أنَّ الحكْمَ بالمعنى الذي اشْتُقَّ ذلك الفِعلُ منه على مسمّى ذلك الاسم، واقعٌ منكَ أيها المتكلم.