والضرب الثالث: تعلُّقٌ بمجموع الجملة، كتعلق حرف النفي والاستفهام والشرط والجزاء، بما يدخل عليه. وذلك أنَّ مِن شأن هذه المعاني: أن تتناول ما تتناولُه بالتقييد، وبعد أن يُسنَد إلى شيء. معنى ذلك: أنك إذا قلت: (ما خرَج زيدٌ وما زيدٌ خارجٌ)، ولم يكن النفيُ الواقعُ بها متناوِلاً الخروج على الاطلاق، بل الخروجَ واقعاً من زيد ومُسنَداً إليه. ولا يغرَّنَّكَ قولُنا في نحو (لا رجل في الدار) أنها لنفي الجنس، فإن المعنى في ذلك أنها لنفي الكينونة في الدار عن الجنس. ولو كان يُتصَّور تعلُّقُ النفي بالاسم المفرد، لكان الذي قالوه في كلمة التوحيد مِنْ أنَّ التقدير فيها "لا إله لَنا، أو: في الوجود إلا الله" فضلاً من القول وتقديراً لما لا يُحتاج إليه، وكذلك الحُكْم أبداً. وإذا قلتَ:(هل خرجَ زيد؟) لم تكن قد استفهمتَ عن الخروج مطلقاً، ولكن عنه واقعاً مِن زيد. وإذا قلتَ:(إنْ يأتني زيد أُكْرمْه)، لم تكن جعلتَ الإتيانَ شرطاً بل الإتيانَ مِن زيد، وكذا لم تَجعل الإكرامَ على الإطلاق جزاءً للإتيان، بل الإكرام وَاقعاً منك. كيف، وذلك يؤدي إلى أشنع ما يكون من المحال؟ وهو أن يكون هاهنا إتيانٌ من غير آتٍ وإكرامٌ من غير مُكْرَم. ثم يكون هذا شرطاً وذلك جزاء.
ومختصر كل الأمر: أنه لا يكون كلامٌ من جزء واحد، وأنه لا بدّ من مسند ومسند إليه، وكذلك السبيل في كل حرف رأيتَه يَدخلُ على جملة، كإنَّ وأخواتها، ألا ترى أنك إذا قلت "كأنَّ" يَقتضي مشبَّهاً به، كقولك:(كأنَّ زيداً الأسدُ). وكذلك إذا قلت "لو" و "لولا" وَجدْتَهما يقتضيان جملتين، تكون الثانية جواباً للأولى.
وجملة الأمر: أنه لا يكون كلامٌ من حرف وفعل أصلاً، ولا من حرف واسم إلا في النداء نحو:(يا عبدَ الله). وذلك أيضاً إذا حقَّقَ الأمرَ كان كلاماً بتقدير الفعل المضمر الذي هو: أعني، وأريد، وأدعو؛ و "يا" دليل عليه وعلى قيام معناه في النفس.
فهذه هي الطرُقُ والوجوه في تعلق الكَلِم بعضِها ببعض. وهي كما تراها معاني النحو وأحكامُه.