وكذلك السبيلُ في كل شيء كان له مدخلٌ في صحة تعلقِ الكلم بعضِها ببعض، لا ترى شيئاً من ذلك يعدو أن يكون حُكْماً من أحكام النحو ومعنًى من معانيه. ثم إنَّا نَرى هذه كلَّها موجودةً في كلام العرب، ونرى العلْمَ بها مشتركاً بينهم.
وإذا كان ذلك كذلك، فما جوابُنا لخصم يقول لنا: إذا كانت هذه الأمورُ وهذه الوجوهُ من التعلُّق، التي هي محصولُ النظم، موجودةً على حقائقها، وعلى الصحة، وكما ينبغي في منثور كلام العرب ومنظومه، ورأيناهم قد استعملوها وتصرفوا فيها وكَملُو بمعرفتها، وكانت حقائقَ لا تتبدَّلُ ولا يختلف بها الحال، إذْ لا يكون للاسم بكونه خبراً لمبتدأ أو صفةً لموصوف، أو حالاً لذي حال، أو فاعلاً أو مفعولاً لفعل في كلام، حقيقةٌ هي خلاف حقيقته في كلام آخر، فما هذا الذي تجدَّد بالقرآن من عظيم المزيَّة، وباهر الفَضْل، والعجيب من الوصف، حتى أَعجزَ الخلقَ قاطبة، وحتى قهرَ من البلغاء والفصحاء القُوَى والقُدر، وقيَّد الخواطرَ والفِكَر، حتى خَرستِ الشقاشقُ، وعُدِمَ نطقُ الناطق، وحتى لم يَجر لسانٌ، ولم يُبنْ بيانٌ، ولم يساعِد إمكانٌ، ولم ينقدح لأحد منهم زَندٌ، ولم يمض له حدٌّ، وحتى أسالَ الوادي عليهم عجزاً، وأخذ منافذ القول عليهم أَخْذاً؛ أيلزمنا أن نُجيبَ هذا الخصمَ عن سؤاله، ونردَّه عن ضلاله، وأن نَطِبَّ لدائه، ونُزيل الفسادَ عن رائه؟ فإن كان ذلك يَلْزمُنا، فينبغي لكل ذي دين وعقل، أن ينظر في الكتاب الذي وضعناه، ويستقصي التأملَ لِمَا أودعناه؛ فإنْ عَلِمَ أنه الطريق إلى البيان، والكشفُ عن الحُجَّة والبرهان، تبعَ الحق وأخذَ به، وإنْ رأى أنَّ له طريقاً غيرَه أوْمأَ لنا إليه، ودلَّنا عليه، وهيهاتَ ذلك، وهذه أبياتٌ في مثل ذلك [من البسيط]: