نعم، وكَيف رَويْتَ "لأَنْ يمتلئَ جوفُ أَحدِكم قيحاً فيَرِيَهُ، خيرٌ له من أَن يمتلئ شِعْراً" ولهجتَ به، وترِكتَ قولَه صلى الله عليه وسلم:"إنَّ مِن الشعر لَحِكْمةً، وإنَّ مِن البيان لَسِحْرا"، وكيف نَسِيتَ أَمرَه صلى الله عليه وسلم بقول الشعر، ووَعْدَه عليه الجنَّةَ؟ وقوله لحسَّان:"قُلْ وروحُ القُدُس معك" وسماعَه له، واستنشادَهُ إياه، وعِلْمهُ صلى الله عليه وسلم به، واستحسانَه له، وارتياحَه عند سماعه؟
أما أَمرُهُ به فمن المعلوم ضرورةً، وكذلك سَماعُه إياه؛ فقد كان حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير يمدحونه، ويَسْمعُ منهم، ويُصغي إليهم، ويأمرهم بالردِّ على المشركين، فيقولون في ذلك ويَعْرِضون عليه؛ وكان عليه السلامُ يَذكرُ لهم بعضَ ذلك، كالذي رُوي من أنه صلى الله عليه وسلم قال لكعب:"ما نَسِيَ ربُّك، وما كان ربُّكَ نَسِيّاً، شعراً قلْتَه". قال وما هو يا رسول الله؟ قال:"أَنْشِدْه يا أبا بكر"، فأنشدَ أبو بكر رضوانُ الله عليه [من الكامل]:
يُطِيفُ به الهُلاَّكُ مِن آل هاشمٍ ... فهمْ عندَهُ في نعمةٍ وفواضلِ
الأبيات. وعن الشعبي رضي الله عنه، عن مسروق، عن عبد الله، قال:"لمَّا نظرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، إلى القَتْلى يومَ بَدْر مصرَّعين، قال صلى الله عليه وسلم، لأَبي بَكْر رضيَ الله عنه: "لو أَنَّ طالبٍ حَيٌّ لَعِلمَ أنَّ أَسْيافَنا قد أخذتْ بالأنامل". قال: وذلك لِقولِ أبي طالب [من الطويل]:
كَذَبتُمْ، وبيتِ الله إِنْ جَدَّ ما أَرى ... لَتَلتبسَنْ أَسيافُنا بالأنامل
ويَنهضُ قومٌ في الدروعِ إِليهمُ ... نُهوضَ الرَّوايا في طريق حُلاحِل