"هذا" وإذا نحن رجَعْنا إلى ما قدمناه من الأخبار، وما صحَّ من الآثار، وجَدْنا الأمرَ على خلاف ما ظَنَّ هذا السائل، ورأَيْنا السبيلَ في منع النبي صلى الله عليه وسلم، الوزنَ، وأنْ يَنْطلق لسانُه بالكلام الموزون، غيرَ ما ذهبوا إليه، وذاك أنه لو كان مَنْعَ تنزيهٍ وكراهةٍ، لكان يَنبغي أن يُكْرَه له سماعُ الكلام موزوناً، وأن يُنَزَّه سمْعهُ عنه كما يُنزَّه لسانُه، ولكان صلى الله عليه وسلم، لا يأمر به ولا يَحثُّ عليه، وكان الشاعر لا يُعانُ على وزن الكلام وصياغته شعراً، ولا يُؤيَّد فيه بروح القُدُس. وإذا كان هذا كذلك، فينبغي أن يَعْلم أَنْ ليس المَنْعُ في ذلك منْعَ تنزيهٍ وكراهة، بل سبيلُ الوزن في منعه عليه السلام إياه، سبيلُ الخَطِّ، حين جُعل عليه السلامُ لا يقرأُ ولا يَكُتب، في أَنْ لم يكن المَنْعُ منِ أجْل كراهةٍ كانت في الخَطِّ، بل لأَن تَكونَ الحُجةُ أَبهِرَ وأقهرَ، والدلالةُ أقوى وأظهر، ولتكون أَكْعَمَ للجاحد وأَقْمَعَ للمُعَانِد، وأَرَدَّ لِطالب الشُّبهة، وأَمْنَعَ في ارتفاع الرِّيبة.