وأما التعلُّق بأحوال الشعراء: بأنهم قد ذُمُّوا في كتاب الله تعالى، فما أرى عاقلاً يَرْضى به أنْ يَجْعله حُجةً في ذَمِّ الشعر وتَهْجينه، والمَنْع مِن حِفْظه وروايته، والعِلْم بما فيه مِن بلاغة، وما يُختصُّ به من أَدب وحِكْمه. ذاك لأَنه يَلْزمُ على قَوَد هذا القولِ، أَن يَعيب العلماءَ في استشهادهم بشِعْر امْرئ القيسِ، وأَشعار أهل الجاهلية في تفسير القرآن، وفي غَريبهِ وغَريبِ الحديث؛ وكذلك يَلْزمه أنْ يَدْفع سائرَ ما تقدَّم ذكرُه من أَمْر النبي، صلى الله عليه وسلم، بالشعر وإصغائه إليه واستحسانه له. هذا ولو كان يَسُوغُ ذَمُّ القولِ من أَجْل قائله، وأنْ يُحْمَل ذَمُّ الشاعر على الشعر، لكان يَنبغي أن يُخَصَّ ولا يُعَمَّ وأن يُسْتثنى. فقد قال الله عز وجل:{إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً}[الشعراء: ٢٢٧]. ولولا أَنَّ القولَ يَجُرَّ بَعْضُهُ بَعضاً، وأنَّ الشيءَ يُذكَرُ لدخوله في القِسْمة لكان حقُّ هذا ونحوِهِ، أَنْ لا يُتَشاغَلَ به، وأن لا يُعادَ ويُبْدأَ في ذكره.