للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل عَرَفتم الفَرْقَ بين الصفة والخبر، وبين كلِّ واحدٍ منها وبين الحال؟ وهل عرَفْتم أَنَّ هذه الثلاثة تَتَّفْقُ في أنَّ كافَّتَها لثُبوتِ المعنى لِلشيء، ثم تَخْتلفٌ في كيفية ذلك الثبوتِ؟

وهكذا ينبغي أن تُعْرَض عليهم الأبوابُ كلُّها: واحداً واحداً، ويُسْألوا عنها باباً باباً، ثم يُقال: ليس إلاَّ أَحدَ أمرين:

إمَّا أن تَقْتحموا التي لا يَرْضاها العاقلُ، فتُنْكِروا أن يكون بكم حاجةٌ في كتاب الله، وفي خبرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي معرفة الكلام جملةً إلى شيء من ذلك، وتَزْعموا أنكم إذا عَرفْتُم مَثلاً، أنَّ الفاعل رَفْعٌ، لم يَبْقَ عليكم في باب الفاعل، ما تحتاجون إلى مَعْرفته. وإذا نظرتم إلى قولنا: (زَيْدُ مُنْطلقٌ)، لم تُحْتاجوا مِنْ بَعده إلى شيء تَعْلمونه في الابتداء والخبر. وحتى تَزْعموا مثَلاً، أنكم لا تحتاجون في أَنْ تَعرفوا وَجْهَ الرفع في {والصابئون} [المائدة: ٦٩] من سورة المائدة، إلى ما قاله العلماء فيه، وإلى استشهادهم بقول الشاعر:

وإلاَّ فاعْلَموا أَنَّا وأنتمْ ... بُغَاةٌ ما بَقينا في شِقاقِ

وحتى كان المُشْكِلُ على الجميع غيرَ مُشكلٍ عندكم، وحتى كأَنَّكم قد أُوتيتُمْ أَنْ تَسْتنبطوا مِن المسألة الواحدة مِن كل باب، مسائِلَهُ كلَّها، فتخرجوا إلى فَنِّ من التجاهل لا يَبْقى معه كلامٌ.

وإمَّا أَنْ تَعْلموا أنكم قد أَخطأتم، حينَ أَصْغَرْتم أمرَ هذا العلمِ، وظَننتُم ما ظَننتُمْ فيه، فتَرْجِعوا إلى الحق وتُسَلِّموا الفضلَ لأهله، وتدعوا الذي يُزري بكم، ويَفْتَحُ بابَ العيبِ عليكم، ويَطيلُ لسانَ القادحِ فيكم. وبالله التوفيق.

<<  <   >  >>