قلنا: إنا نَسْكت عنكم في هذا الضرب أيضاً، ونَعْذُركم فيه ونُسامِحكم، على عِلْم منَّا بأنْ قد أَسأتُم الاختيار، ومنَعْتم أنْفسَكم ما فيه الحظُّ لكم، ومنعتموها الاطِّلاعَ على مدارج الحِكْمة، وعلى العلوم الجمَّة. فدَعُوا ذلك، وانظروا في الذي اعترفْتُم بصحَّته وبالحاجة إليه: هل حَصَّلْتموه على وجهه؟ وهل أَحَطْتم بحقائقه؟ وهل وَفَيْتُم كلَّ بابٍ منه حقه، وأَحْكَمتوه إحكاماً يؤمِّنُكم الخطأَ فيه، إذا أنتم خُضْتم في التفسير، وتعاطَيْتم عِلْم التأويل، ووازَنْتم بين بَعْضِ الأقوال وبَعْض، وأردتم أن تَعرفوا الصحيحَ من السقيم؛ وعُدْتُم في ذلك وبدأتم، وزِدْتم ونَقَصْتم؟ وهل رأيتم إِذْ قد عرَفْتُم صورة المبتدأ والخبر، وأنَّ إعرابَهما الرفعُ، أن تتجاوزوا ذلك إلى أن تَنْظروا في أَقسام خبره، فتَعْلموا أنه يكون مُفْرداً وجُملةً، وأَنَّ المفرد يَنْقسم إلى ما يَحْتمِل ضميراً له، وإلى ما لا يَحْتمل الضميرَ؛ وأَنَّ الجملة على أربعة أَضْربٍ، وأنه لا بد لكلِّ جُملةٍ وَقَعتْ خبراً لمبتدأ، من أن يكون فيها ذِكْرٌ يَعودُ إلى المبتدأ، وأن هذا الذكْرَ، ربما حُذِفَ لفظاً وأريدَ معنىً، وأنَّ ذلك لا يكونُ حتى في الحال دليلٌ عليه؟ إلى سائرِ ما يتَّصل بباب الابتداءِ، من المسائل اللطيفة والفوائد الجليلة التي لا بد منها؟ وإذا نظَرْتم في الصفة مثلاً، فعَرَفْتم أنها تَتْبع الموصوفَ، وأَنَّ مِثالها قولُك:(جاءنِي رجلٌ ظريفٌ، ومررتُ بزيدٍ الظريف). هل ظَننتُم أنَّ وراءَ ذلك أمراً، وأنَّ هاهنا صِفةً تُخصِّص وصفةً تُوضح وتُبين، وأن فائدةَ التخصيص غيرُ فائدةِ التوضيح؛ كما أن فائدة الشِّياع، غيرُ فائدة الإبهام، وأنَّ مِنَ الصفة صفةً لا يكون فيها تخيصيصٌ ولا توضيحٌ، ولكنْ يُؤْتى بها مؤكَّدةً، كقولهم (أَمسِ الدابرُ)، وكقوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة: ١٣]، وصفةً يُراد بها المدحُ والثناءُ، كالصفات الجارية على اسْم الله تعالى جَدَّه؟.