هنا حكم الاحتجاج بالسند المعنعن والمؤنن، السند المعنعن: ما يقول فيه الراوي: فلان عن فلان عن فلان .. الخ، والمؤنن ما يقول فيه: أن فلاناً قال، فمنهم من يزعم أن ما لم يصرح فيه بالتحديث أو بالسماع لا يحكم باتصاله، حتى يقول: حدثنا وسمعت، حتى قال بعضهم: كل حديث ليس فيه حدثنا وسمعت فهو خل وبقل، لكن جمهور العلماء على أن الإسناد المعنعن محكوم له بالاتصال وفي حكمه المؤنن، شريطة أن لا يكون الراوي موصوفاً بالتدليس، والخلاف جارٍ بينهم في اشتراط ثبوت اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة، اشتهر النقل عن الإمام البخاري -رحمه الله- وعلي بن المديني اشتراط ثبوت اللقاء والسماع من الراوي ولو مرة واحدة، ومسلم في صدر الصحيح أطال الكلام في تفنيد هذا القول والتشنيع على قائله بألفاظٍ قوية جداً حتى استبعد بعضهم أن يكون المراد البخاري أو علي بن المديني.
وعلى كل حال لا يوجد تصريح سواء كان من البخاري أو علي بن المديني باشتراط اللقاء، وأما الإمام مسلم فقد صرح بأن المعاصرة كافية، ولا شك أنه يشكل على اشتراط ثبوت اللقاء أن أهل العلم في تراجم الرواة لا ينصون على أنه لقيه أو لم يلقه، وإنما يقولون: روى عن فلان وفلان وفلان .. الخ، وهذا الإشكال نظير الإشكال الناتج عن اشتراط تفسير الجرح، وهو قول الجمهور، إذا اختلف في الراوي جرحاً وتعديلاً اشترطوا تفسير الجرح، يقولون: كتب التراجم ليس فيها تفسير الإنكار، بل أهل العلم يكتفون بالنقل عن الأئمة بأن فلاناً ضعيف، وفلان فيه كذا، وفلان سيء الحفظ، هذا فيه تفسير، لكن ضعيف؟ ما فيه تفسير، فعلى هذا ينبغي أن ننظر كتب التراجم حتى يفسر الجرح، ونهمل كتب من يعتني بذكر الشيوخ والتلاميذ حتى ينص على أنه ثبت لقاء الراوي لمن روى عنه، وهذا مشكل، لا شك أنه استفاض النقل عن الإمام البخاري اشتراط ثبوت اللقاء وإن كان منهم من يخص ذلك في صحيحه –صحيح البخاري- يقول أن البخاري في صحيحه لم يخرج إلا عمن ثبت لقاؤه لمن روى عنه، ولا يشترط ذلك في أصل الصحة خلافاً لعلي بن المديني.