الذي عليه الأئمة المتقدمون أنه لا يحكم بحكم عام مضطرد، في كل حديث تعارض فيه الوقف والإرسال بقولٍ يسلك باستمرار، لا، إنما يحكم لما ترجحه القرائن، ولذا تجدون في أحكام الأئمة أنهم لم يسلكوا مسلكاً واحداً في هذا، بل الواحد منهم ليس له طريقة واحدة في الترجيح، فعلى سبيل المثال، الإمام البخاري -رحمه الله- رجح وصل حديث:((لا نكاح إلا بولي)) رجح الوصل، هل لأن مع من وصل زيادة والزيادة من الثقة مقبولة؟ مع كون من أرسله كالجبل، شعبة وسفيان ممن أرسل الحديث، إنما رجح الوصل لقرائن احتفت به، وتجدونه في بعض الأحيان يرجح الإرسال لقرائن احتفت بالإرسال.
وعلى هذا ليس في مثل هذه المسألة قاعدة مضطردة يحكم بها، بل الحكم للقرائن، ومثل هذه المسألة مسألة تعارض الوقف مع الرفع، يترك الحكم فيها للقرائن، ولذا تجدون الأئمة لا يحكمون بأحكام عامة مطردة، لكن الطالب –طالب العلم المبتدئ الذي يريد أن يتمرن- هل نقول: لا تحكم في مثل هذه الحالة؛ لأنك لم تصل إلى حدٍ تدرك فيه القرائن المرجحة؟ أو نقول: اعتمد أي قول من الأقوال للتمرين، وإذا تأهلت احكم بالقرائن، واعرض عملك على أهل العلم، ليوضحوا لك ما يحتف بأحد القولين من القرائن؟ هذا هو المطلوب، تتمرن على قواعد المتأخرين فإذا تأهلت، وأقرك أهل العلم، وشهدوا لك بأنك أدركت المرجحات حينئذٍ عليك أن تحاكي المتقدمين، على كل حال هذه المسألة من المسائل الكبار، وسيأتي بسطها -إن شاء الله تعالى- في زيادة الثقة؛ لأنها فرع عنه.
طالب: من يقلد أحد الأئمة يعني مثل حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) ما أحكم عليه، أقلد أهل العلم المتقدمين؟