قال: وكذلك حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وعن هبته، وتفرد مالك عن الزهري عن أنس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى رأسه المِغفر، وكل من هذه الأحاديث الثلاثة في الصحيحين من هذه الوجوه المذكورة فقط، وقد قال مسلم للزهري: تسعون حرفاً لا يرويها غيره، وهذا الذي قال مسلم عن الزهري من تفرده بأشياء لا يرويها غيره يشاركه في نظيرها جماعة من الرواة، فإن الذي قاله الشافعي أولاً هو الصواب: أنه إذا روى الثقة شيئاً قد خالفه فيه الناس فهو الشاذ، يعني المردود، وليس من ذلك أن يروي الثقة ما لم يرو غيره، بل هو مقبول إذا كان عدلاً ضابطاً حافظاً، فإن هذا لو رُد لرُدت أحاديث كثيرة من هذا النمط، وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل، والله أعلم، وأما إن كان المنفرد به غير حافظ، وهو مع ذلك عدلٌ ضابط فحديثه حسن فإن فقد ذلك فمردود، والله أعلم.
يقول -رحمه الله تعالى-: النوع الثالث عشر: الشاذ، الشاذ، اختلف فيه أهل العلم فأطلقوه بإزاء أمور، أطلقوه على المخالفة من غير نظرٍ في الراوي، وأطلقوه على التفرد، وأطلقوه على تفرد الثقة، وأطلقوه أيضاً على التفرد مع قيد المخالفة، يقول:"قال الشافعي: هو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس" فهنا قيدان: أن يكون الراوي ثقة، وأن يخالف هذا الثقة ما روى الناس، "وليس من ذلك" أي من الشذوذ أن يتفرد الراوي من غير مخالفة، اللغة تساعد قول من يقول: بأنه مجرد التفرد؛ لأن الأزهري في تهذيبه قال: شذ الرجل إذا انفرد عن أصحابه، وكذلك كل شيءٍ منفرد فهو شاذ.