وعلى كل حال يستفاد من معرفة أصحّ الأسانيد وحفظها أن نحكم بالصحة مباشرة لما روي بواسطتها، ونرجحها، كي نرجحها أيضاً إما باعتبار من قيل فيهم ذلك كالرواة، أو باعتبار القائلين عند الحاجة إلى ذلك، وإلا فليست مضطردة، فقد يعرض للمفوق ما يجعله فائق كما هو معروف، ولذا المعتمد الإمساك على الحكم على سندٍ ما بأنه أصح، أو على حديثٍ ما بأنه الأصح مطلقاً، أو على كتابٍ ما بأنه أصح الكتب، وإن كان العلماء قرروا أن صحيح البخاري أصح الكتب، وهذا قول جماهير أهل العلم على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وهو المعتمد عندهم، لكن هل يعني هذا أن كل حديث في البخاري أصحّ من كل ما في صحيح مسلم؟ لا؛ لأن التفضيل هذا إجمالي.
(أول من جمع صحاح الحديث)
فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه صاحبه وتلميذه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، فهما أصح كتب الحديث، والبخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مسلم الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة، ومن هاهنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البخاري على مسلم، كما هو قول الجمهور، خلافاً لأبي علي النيسابوري شيخِ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب.
ثم إن البخاري ومسلماً لم يلتزما بإخراج جميع ما يُحكم بصحته من الأحاديث، فإنهما قد صحَّحا أحاديث ليست في كتابيهما، كما ينقل الترمذي وغيره عن البخاري تصحيح أحاديث ليست عنده، بل في السنن وغيرها.
يقول -رحمه الله-: "فائدة: أول من اعتنى بجمع الصحيح" يعني الصحيح المجرد، وإلا فموطأ مالك مشتمل على أحاديث صحيحة كثيرة، وهو قبل البخاري، فأول من اعتنى بجمع الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم تلاه تلميذه وخريجه مسلم بن الحجاج، وهذان الكتابان أصح الكتب، والبخاري أرجح وأصح.
أول من صنف في الصحيحِ ... محمدٌ وخص بالترجيحِ
ومسلم بعدُ -يعني بعد البخاري-.
ومسلم بعد وبعض الغرب معْ ... أبي علي فضلوا ذا لو نفعْ