ابن كثير -رحمه الله تعالى- يقول:"واتصافهم بالإنصاف" يعني ما يتوقع أن الإمام أحمد يجرح راوي لشحناء بينه وبينه، أو لمخالفة بينه وبينه، أو لاختلاف بينه في أمور الدنيا، حاشاهم عن ذلك، ولا ندعي العصمة لهم، ومثله بقية الأئمة، "واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل" يعني مقتضى قول الجمهور أنهم لو أجمعوا على تضعيف راوٍ نقول: لماذا؟ لماذا ضعفوه؟ لا بد أن يبين السبب، يقول:"لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك" إذا أطبقوا لا يخالج الإنسان أدنى شك، ولا يساوره أدنى ريب في أنه ضعيف أو ثقة، لكن إذا اختلفوا، فيما إذا تعارض، تعارضت أقوالهم، فعدله بعضهم، ووثقه آخرون، وهذه مسألة تعارض الجرح والتعديل، والمسألة ترد قريباً -إن شاء الله تعالى- "فالمحدث الماهر يقول: لا يتخالجه في مثل هذا وقفةٌ في موافقتهم لصدقهم وأمانتهم ونصحهم، ولهذا يقول الشافعي في كثيرٍ من كلامه على الأحاديث: لا يثبته أهل العلم بالحديث" يكل الأمر إلى أهله، لا يثبته أهل العلم بالحديث، طيب أنت إمام يا شافعي لماذا لا تنظر أنت؟ العمر لا يستوعب الاجتهاد في كل شيء، قد يجتهد في وسيلة، في توثيق راوي أو تضعيفه، ثم مع مجموع الرواة، يجتهد في تصحيح حديث، ثم بعد ذلك يجتهد في النظر في الأحاديث في المسألة الواحدة، ويخلص إلى القول الراجح، هذه اجتهاد في الوسائل وفي الغايات لكن دونها الخرط والقتاد في كل مسألة مسألة، فالإنسان قد يجتهد في إثبات الخبر، لكن لا يتيسر له الاجتهاد في الحكم والعكس، فالشافعي حينما يجتهد في الحكم يعتمد في إثبات الخبر ونفيه على أهل الشأن، ولذا كثيراً ما يقول: لا يثبته أهل العلم بالحديث، وكثيراً ما يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ويرده ولا يحتج به بمجرد ذلك، ما يقال: لماذا لم يثبته أهل الحديث؟ الشافعي وهو إمام لا يقول: لماذا لا يثبته أهل الحديث؟ هل الجرح مفسر أو غير مفسر؟ لا يقول هذا لا الإمام الشافعي ولا غير الإمام الشافعي.