التائب من الكذب، الكذب لا يخلو إما أن يكون في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يضع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يختلق أو يكذب في حديث الناس، لا شك أن الكذب جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب لا سيما على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((إن كذباً عليّ ليس ككذبٍ على أحد)) ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) فالتائب من الكذب سواءٌ كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أو على غيره مختلفٌ فيه، من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- متعمداً يرى الإمام أحمد بن حنبل والحميدي أنه لا تقبل توبته، ولا تقبل روايته، معنى لا تقبل توبته يعني في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، وجمعٌ من أهل العلم أو جمهور العلماء يرون أن توبته مقبولة، وخبره حينئذٍ مقبول؛ لأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس بأشد من الكفر، والنووي يرى أن قواعد الشرع تؤيد هذا القول، قواعد الشريعة تؤيد هذا القول، فإن من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم تاب ليس بأعظم ممن كان كافراً ثم أسلم، أو ارتكب من الذنوب الكبائر الشيء الكثير ثم تاب، فمن تاب تاب الله عليه، فهل يحتم جرحُ الكذاب أبداً بحيث لا تقبل روايته ولو تاب، وهذا مخرجٌ على قبول شهادة القاذف، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(٤ - ٥) سورة النور] {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هذا الاستثناء يرفع الجمل الثلاث أو يرفع الأخيرة فقط؟ أو ماذا يرفع؟ فإذا كانت شهادة القاذف مردودة أبداً فمعنى هذا أن الاستثناء لا يرفع إلا الجملة الأخيرة، وقال بهذا بعض العلماء، أما رجوع الاستثناء إلى الجملة الأولى فلم يقل به أحد، لا بد من جلده ثمانين جلدة، ولو تاب، وأما رجوعه إلى الجملة الأخيرة وارتفاع وصف الفسق عنه فهو مقتضى الاستثناء، وهو قول أهل العلم قاطبة، ورجوعه إلى الجملة الثانية المتوسطة هو محل الخلاف، هل تقبل شهادته أو يحتم جرحه فلا تقبل