من اهتم لشيء عرفه وأتقنه وضبطه، ولم يغفل عنه بحال، وصار على ذكرٍ منه في سائر الأحوال، من كان ديدنه النظر في كتاب الله، وقراءة القرآن، ويردده، ويلهج به فإنه لا ينساه، ولو خلّط في آخر عمره، ولو اختلط، يعني ولو (هذرى) على اصطلاح بعض الناس، ولو حصل له ما حصل من إغماء، وقد سُمع من يقرأ القرآن واضحاً وهو في العناية المركزة، ما يسمع ما حوله، ولا ينطق بكلمة، لماذا؟ لأن القرآن اختلط بلحمه ودمه، ويذكر عن أشخاص لزموا الأذان عشرات السنين، أربعين، خمسين سنة، ثم صاروا في أواخر أعمارهم ما يفقهون شيء، إذا جاء وقت الأذان أذن، وسُمع منه الأذان واضح، هناك وقائع وحوادث كثيرة من هذا النوع.
شيخٌ من شيوخنا حصل له حادث أدخل العناية ما يعرف أحد، ولا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع منه واضح كما هو، ولا شك أن هذا دليل على .. ، أو برهان على حسن الخاتمة، ونعرف شخصاً أقرأ القرآن ستين سنة أو أكثر، ومات فجأةً، وهو ينتظر طلوع الشمس، ورأسه في المصحف، المصحف في حجره ورأسه على المصحف، وهو ينتظر طلوع الشمس، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة.
على كل حال من اعتنى بشيء واهتم به يدركه إدراكاً بيناً، ويكون على ذكرٍ منه في جميع أحواله، فلا يتعجب أن ينعس الشيخ ويرد على القارئ.
أبو زرعة الرازي وهو إمام من أئمة الحديث في النزع، وقت خروج الروح، هابوا أن يلقنوه، هابوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، إمام كبير، كأن الحاضرين قالوا: كيف ننقل هذا إمام كبير ما يحتاج إلى تلقين؟ فتحايل بعضهم وجاء بحديث التلقين فقلب إسناده، قلب الإسناد جعل الأول الثاني والثاني الثالث وهكذا، الشيخ في النزع فانتبه الشيخ فجأة وأعاد الإسناد كما هو، فقال:((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله .. )) فخرجت روحه قبل أن يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله -رحمه الله-.