يقول:"وهو ما زاد نقلته على ثلاثة" يريد بذلك الشهرة الاصطلاحية، لكن إن زادت هذه .. ، هؤلاء النقلة زادوا على ثلاثة وبلغوا حد التواتر خرج عن كونه مشهور اصطلاحاً إلى كونه متواتراً، وإن كان مشهوراً على الألسنة شهرة غير اصطلاحية، فالمتواتر: يرويه عدد يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب عن مثلهم، وينسبوه إلى أمر محسوس، شيء محسوس، إلى أمرٍ محسوس لا معقول، لا بد أن يكون مستنده الحس، والمتواتر والمشهور والمستفيض والعزيز والغريب هذه ألفاظ اصطلاحية تداولها أهل العلم، وبينوا حقيقتها، لكن إن بحثت عنها في القرون الثلاثة المفضلة قد لا تجدها، وهكذا في جميع العلوم، جدت اصطلاحات بعد القرون المفضلة، ولا ضير في ذلك؛ لأن المقصود منها التيسير على طلاب العلم، المقصود منها التحديد والتيسير، وضبط العلوم، ولا يعني هذا أنه يتدين بهذه الألفاظ، لكنها أمور اصطلاحية، اصطلحوا على تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، اصطلحوا على تقسيم المتواتر أيضاً إلى ضروري ونظري في إفادته، اصطلحوا على تقسيم الآحاد إلى مشهور وعزيز وغريب، ولا إشكال في ذلك -إن شاء الله تعالى-، فقد جد في كثيرٍ من العلوم أو جميع العلوم الشرعية اصطلاحات لا توجد عند الصحابة، بل ولا عند التابعين، فهل نقول: إن هذه من البدع التي ينبغي تركها أو يجب تركها؟ لا، المقصود منها التيسير والتسهيل والتقسيم.
هل يعرف أبو بكر وعمر أن المياه تنقسم إلا ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس نعم؟ هل نقول: إن هذا من البدع؟ هذا تيسير وتسهيل على طلاب العلم؛ ليعرفوا هذه الحقائق، ويميزوا بينها، ويغايروا بينها، قد يقول قائل: من أين لكم أن هذه الأخبار تنقسم إلى كذا؟ ومن أين لكم أن الماء ينحصر في هذه الأقسام؟ من أين لكم أن شروط الصلاة تنحصر في تسعة؟ من أين لكم أن أركان الصلاة تنحصر في أربعة عشر؟ هاتوا أدلة على أنها محصورة في الأربعة عشر، نقول: الطريق في إثباتها الاستقراء، استقراء النصوص، الطريق في إثبات مثل هذه الأمور الاستقراء.