الحافظ الضابط مالك بن أنس نجم السنن هل خبره ملزم بالقبول؟ بمعنى أنه معصوم من الخطأ، لا يغفل، لا يخطئ، لا يسهو، من يعرو من الخطأ والنسيان؟ ما في أحد، ليس بأحد معصوم، إذاً إذا نقل الإمام مالك خبر نقول: هذا خبر واحد، ولو جاء من طريق ثاني وثالث، لكن الاحتمال قائم، هل معنى هذا أنك تحلف على جميع ما نقله الإمام مالك؟ أو على جميع ما رواه الإمام أحمد بن حنبل؟ ما نقله إليك؟ لا تحلف على هذا، إذاً ما دام هذا الاحتمال قائم الخبر لم يصل إلى درجة العلم، إيش معنى العلم؟ الذي لا يحتمل النقيض مائة بالمائة، وما دام الاحتمال -احتمال الخطأ والسهو والنسيان- وارد هل يمكن أن نقول: إن الخبر وصل إلى مائة بالمائة؟ لا يمكن، لا بد أن ينزل بنسبة ما يتصف به هذا الناقل من الحفظ والضبط والإتقان، قد تصل النسبة في خبر بعض النقلة إلى قريب من الكمال، إلى تسعة وتسعين، وثمانية وتسعين بالمائة، بس إلا أننا لا ندعي عصمته، وحينئذٍ ما دام وجد الاحتمال فالخبر يفيد الظن، إيش معنى الظن؟ الظن هو الاحتمال الراجح، والراجح من نسبة واحد وخمسين إلى تسعة وتسعين، متفاوتة، والمرجوح من تسعة وأربعين إلى واحد؛ لأن نسبة الصفر هو الكذب الصريح، والخمسين هو الشك، يعني على حدٍ على سواء.
ما دام نقول: إن خبر مالك لا يصل إلى نسبة مائة بالمائة، دعونا نوصل خبر مالك -رحمه الله تعالى- نجم السنن إلى خمسة وتسعين بالمائة، نقول: خبر واحد ويفيد الظن؛ لأن الظن هو الاحتمال المرجوح، لكن لا نلتزم بلوازم المبتدعة، خبر الواحد لا يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، نعم، نقول: جاء الظن ويراد به اليقين أيضاً، يراد به الاعتقاد الجازم، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(٤٦) سورة البقرة] ولا شك أن الظنون متفاوتة، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة؛ لأن المبتدعة يقولون: ما دام الاحتمال قائم إذاً الظن لا قيمة له، لا يغني من الحق شيئاً، وعلى هذا يردون خبر الواحد، نقول: لا، نقول: مع إفادته الظن هو موجب للعمل؛ للأدلة الكثيرة الصحيحة الصريحة.