المقصود هل يشاحح البغوي في اصطلاحه، أو نقول: أنه بيّن اصطلاحه في المقدمة وهو يكفي؟ أهل العلم كثيراً ما يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هذا الكلام لا ينبغي أن يؤخذ على إطلاقه وعلى عواهنه، فهناك من الاصطلاح ما يشاحح فيه، ومن الاصطلاح ما لا مشاحة فيه، لو اصطلح شخص لنفسه أن يسمي والد الزوجة عم، والناس يقولون: خال، نقول: لا أنا بسميه عم، يشاحح في الاصطلاح؟ لا يشاحح، لأنه اصطلاح لا يترتب عليه حكم، لكن لو قال: عمي ويقصد بذلك أخا والده، الناس يسمونه عم، إخواني كلهم يسمونه عم أنا بسميه خال؟ يشاحح في الاصطلاح وإلا ما يشاحح؟ يشاحح، يترتب عليه حكم شرعي، يرث وإلا ما يرث، والمسألة معروفة.
لو قال: أنا أصطلح لنفسي أن أقول: الشرق غرب والغرب شرق، والشمال جنوب والعكس، والسماء تحت والأرض فوق، أنا ببين في المقدمة وهذا اصطلاح، نقول: لا، لكن إذا كان لا يغير هذا الاصطلاح من الواقع شيء، الخارطة بدل ما تكون الشمال فوق اجعل تحت تقلب الخارطة لا بأس، الحكم ما يتغير، ابن حوقل في صورة الأرض يجعل الجنوب هو الذي فوق، وما يتغير شيء من الحكم، لكن ((شرقوا أو غربوا)) في الحديث، تقول: لا أنا الشرق عندي جنوب والجنوب ... نقول: لا، فالاصطلاح الذي يترتب عليه حكم ويخالف هذا الاصطلاح لا بد من مشاحته، فيشاحح البغوي على هذا الاصطلاح ويناقش، فحكمه على أحاديث السنن بأنها حسان مردود عليه، رد عليه إذ بها غير الحسن، بلا شك لأن فيها الصحيح وفيها الضعيف.
يقول:"وما يذكره البغوي في كتابه المصابيح من أن الصحيح ما أخرجاه أو أحدهما، وأن الحسن ما رواه أبو داود والترمذي وما أشبههما، فهو اصطلاح خاص لا يعرف إلا به، وقد أنكر عليه النووي ذلك لما في بعضها من الأحاديث المنكرة " وعرفنا أن الاصطلاح الذي يخالف ما تقرر في علم من العلوم استقر عليه أهل الفن لا بد من المشاحة فيه، واحد نصف الاثنين، يقول، واحد ربع الاثنين يطاع؟ لا، ما يمكن.