قال ابن الصلاح: وصورته التي لا خلاف فيها: حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك، وحكى ابن عبد البر عن بعضهم: أنه لا يعد إرسال صغار التابعين مرسلاً، ثم إن الحاكم يخص المرسل بالتابعين، والجمهور من الفقهاء والأصوليين يعممون التابعين وغيرهم.
قلت: كما قال أبو عمرو بن الحاجب في مختصره في أصول الفقه: المرسل قول غير الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا ما يتعلق بتصوره عند المحدثين، وأما كونه حجةً في الدين، فذلك يتعلق بعلم الأصول، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في كتابنا (المقدمات)، وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه: أن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث، قال: وقال ابن الصلاح: وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه، هو الذي استقر عليه آراء جماعة حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وتداولوه في تصانيفهم، قال: والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما في طائفة، والله أعلم.
قلت: وهو محكي عن الإمام أحمد بن حنبل في رواية، وأما الشافعي فنص على أن مرسلات سعيد بن المسيب حِسان، قالوا: لأنه تتبعها فوجدها مسندة، والله أعلم.
والذي عول عليه كلامه في الرسالة إن مراسيل كبار التابعين حجة إن جاءت من وجهٍ آخر ولو مرسلة، أو اعتضدت بقول صحابي أو أكثر العلماء، أو كان المرسل لو سمى لا يسمي إذا سمى إلا ثقة، فحينئذٍ يكون مرسله حجة، ولا ينتهض إلى رتبة المتصل، قال الشافعي، وأما مراسيل غير كبار التابعين فلا أعلم أحد قبلها، قال ابن الصلاح: وأما مراسيل الصحابة كابن عباس وأمثاله، ففي حكم الموصول؛ لأنهم إنما يروون عن الصحابة وكلهم عدول، فجهالتهم لا تضر، والله أعلم.