قلت: وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة، وذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافاً، ويحكى هذا المذهب عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني، لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين، وقد وقع رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
تنبيه: والحافظ البيهقي في كتابه (السنن الكبير) وغيره يسمي ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلاً، فإن كان يذهب مع هذا إلى أنه ليس بحجة فيلزمه أن يكون مرسل الصحابة أيضاً ليس بحجة، والله أعلم.
المرسل: جمعه مراسل ومراسيل مثل مساند ومسانيد، ومفاتح ومفاتيح، مأخوذ من الإرسال وهو الإطلاق {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ} [(٨٣) سورة مريم] في حديث عمر لما سمع القراءة على خلاف ما سمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أرسله)) يعني أطلقه، ثم أمره بالقراءة وأمر عمر أن يقرأ وقال:((هكذا أنزل)) فهو مأخوذ من الإرسال الذي هو الإطلاق، أو من قولهم: ناقة مرسال، أي سريعة السير، أو من قولهم: جاء القوم إرسالاً يعني متفرقين، المقصود أن المرسل له عدة إطلاقات، لكنه في الاصطلاح مختلف فيه أيضاً.
يقول:"صورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم" حديث التابعي الكبير يعني الذي يرفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا لا خلاف فيه، يعني وما عدا هذه الصورة من الصور مختلف فيه، فما رفعه التابعي الصغير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلف فيه، والانقطاع في أثناء السند يسميه بعضهم مرسل مختلف فيه، ما أبهم فيه الصحابي عن رجل صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- كقول البيهقي مرسل مختلف فيه، لكن الصورة التي لا خلاف في إطلاق الإرسال عليها هو ما رفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب وأمثالهم، فمثل هؤلاء إذا قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مرسل اتفاقاً، ولكن الأكثر والمشهور عند أهل العلم التسوية بين التابعين أجمعين، سواء في ذلك صغارهم وكبارهم ومتوسطيهم.