يخضعون لأهل الجاه حتّى ينالوا منه حظّا يستدرّون به الرّزق بل ولا تفرغ أوقاتهم لذلك لما هم فيه من الشّغل بهذه البضائع الشّريفة المشتملة على إعمال الفكر والبدن. بل ولا يسعهم ابتذال أنفسهم لأهل الدّنيا لشرف بضائعهم فهم بمعزل عن ذلك، فلذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب. ولقد باحثت بعض الفضلاء فأنكر ذلك عليّ فوقع بيدي أوراق مخرّقة من حسابات الدّواوين بدار المأمون تشتمل على كثير من الدّخل والخرج وكان فيما طالعت فيه أرزاق القضاة والأئمّة والمؤذّنين فوقفته عليه وعلم منه صحّة ما قلته ورجع إليه وقضينا العجب من أسرار الله في خلقه وحكمته في عوالمه والله الخالق القادر لا ربّ سواه" (مقدمة ابن خلدون، ١/ ٤٩٣).
وكلام ابن خلدون يتضمن أسراراً عديدة ملخصها على النحو الآتي:
- القائمون بأمور الدين لا تعظم ثروتهم في الغالب وهذا الأمر كان في عصر ابن خلدون وقبله وبعده.
- الأعمال الضرورية في العمران قيمتها أعظم وحاجة الناس إليها أشد، وكذلك تحسيناتها أكثر، ونتائجها أعلى.