للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحوال مصادرة حقه في الاختيار للوزراء وكبار موظفي الدولة بعد الاستشارة أو في إصدار القرارات والأنظمة والقوانين الذي تكون السياسة الشرعية فيها منهجاً، وتعطيه حق تعيين كبار مسؤولي الدولة في إطار مبدء الشورى الذي أشرنا إليه، واقتفاءً لأثر الراشدين من الخلفاء الذين كانوا يشركون معهم في الحكم الذي كانوا يجدونه مؤهلاً لممارسة وحمل تبعاته، وقد عرف هؤلاء بمعاوني الخليفة وكانت لهم ألقاب مختلفة كالوزير والوالي والأمير والنائب وقائد الجند، وقد نقل الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة قصة في استشارة أبي بكر الصديق رضوان الله عليه لبعض ولاته. قال: قال محمد بن عبدالله الأنصاري: حدثنا ابن عوف عن موسى بن أنس أن أبا بكر لما استخلف بعث إلى أنس ليوجهه إلى البحرين على السعاية فدخل عليه عمر فاستشاره فقال: ابعثه فإنه لبيب وكاتب فبعثه. ومناقب أنس وفضائله كثيرة جداً. (١)

وقد حصر الإمام الماوردي وأبو يعلى الفراء معاوني الخليفة في أربعة أنواع:

١) من تكون ولايته عامة في الأعمال العامة وهم الوزراء لأنهم يستنابون في جميع الأمور من غير تخصيص.

٢) من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة وهم أمراء الأقاليم والبلدان لأن النظر فيما خصوا به من البلدان عام في جميع الأمور.

٣) من تكون ولايته خاصة في جميع الأعمال العامة وهم كقاضي القضاة ونقيب الجيوش ومستوفي الخراج وجأبي الصدقات لأن كل واحد منهم مقصور على عمل خاص في جميع الأعمال.

٤) من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة كقاضي بلد أو إقليم أو مستوفي خراجه أو جأبي صدقاته أو نقيب جند لأن كل واحد خاص النظر مخصوص العمل. (٢)

وهؤلاء الذين ذكرهم الماوردي وأبو يعلى الفراء يشكلون في جملتهم أعضاء الحكومة وصلاحية اختيارهم وتوليتهم في أعمالهم تكون لرئيس الدولة (الخليفة أو الإمام) وهكذا الحال بالنسبة لوظائف الدولة الأخرى المهمة تكون صلاحية من يتولاها لرئيس الدولة أو من ينيبه، وفي ذلك يقول الماوردي أنه إذا فوض الخليفة تدبير الأقاليم إلى ولاتها وأوكل النظر فيها للمتولين عليها فالذي عليه أهل زماننا جاز لمالك كل إقليم أن يستوزر وكان حكم وزيره معه كحكم وزير الخليفة مع الخليفة. (٣)

وإذا كان إسناد وظائف الدولة المهمة من صلاحية رئيس الدولة فإن من واجبه أن يتحرى وأن يستشير فيمن يكون الأصلح لكل عمل من أعمال الدولة ولا يجوز أن يعدل عن الأصلح إلى غيره لنحو قرابة أو صداقة أو حزبية أو أي معنى من المعاني التي لا علاقة لها بصلاح الشخص لما يراد توليته من أعمال فعن يزيد بن أبي سفيان قال: قال لي أبو بكر حين بعثني إلى الشام لتوليتي: يا يزيد إن لك قرابة عسيت أن تؤاثرهم بالإمارة ذلك أكثر ما أخاف عليك فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم) (٤).

فإذا كان الرجل حسن السيرة ولكنه ضعيف لا يستطيع أن يجهر بالحق أو لا يستطيع أن يقوم بإدارة ما يوكل إليه ولا يستطيع أن يحفظ ما يوكل إليه ويحيطه بالرعاية العامة لم يكن من الجائز توليته لأنه ربما فرط أو كان غير منتج إن لم يفرط، فهذا نبي الله يوسف عليه السلام حينما رشح نفسه لإدارة شؤون المال يقول: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم) (٥) , وهذا أبو ذر الغفاري لما طلب الولاية لم يره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جلداً فحذره منها قائلاً له: (يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها


(١) - الإصابة في تمييز الصحابة للعلامة الحافظ أحمد بن علي بن حجر - طبعة مصطفى محمد بمصر ص ٨٩.
(٢) - انظر الماوردي في الأحكام السلطانية - الطبعة الأولى ص ٢٥. وأبو يعلي الفراء في الأحكام السلطانية ص ٣٤ - ٣٥ - طبعة دار الفكر ١٤١٤هـ.
(٣) - الأحكام السلطانية للماوردي ص ٣٥.
(٤) - انظر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص ٦٢٨ - طبع دار الكتاب العربي بمصر.
(٥) - الآية ٥٥ من سورة يوسف.

<<  <   >  >>