للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالنظر إلى الوظيفة الثالثة للمجلس فإن الانتخاب وتحصيل الأصوات لا يعد أسلوباً مناسباً لتأهيل الشخص المنتخب لممارسة الدور التشريعي بسن القوانين ذلك أن مهمة التشريع المتمثلة بسن القوانين تحتاج إلى كفاءات علمية قد لا تكون كثرة الأصوات الانتخابية معبرة لعدم التلازم, ومن هنا كان لا بد من سد هذه الثغرة إما بإعطاء الحاكم حق تعيين ذوي الكفاءات والتخصصات الذين يحتاج إليهم المجلس لممارسة الدور التشريعي إذا أخطأهم الانتخاب الحر, على أن يكون عددهم والسلطة الممنوحة لهم تتناسب والغاية من منحهم عضوية المجلس حتى لا يكون وجودهم مفرغاً من غايته, وإما باشتراط شروط عملية دقيقة في المرشحين بحيث لا يصل إلى المجلس إلا كفوء قادر, وعلى الإختيار الأول يتم الدمج في مجلس واحد بين الأعضاء المنتخبين بطريق الانتخاب المباشر وبين الأعضاء المعينين وذلك حتى يؤدي المجلس دوره بتسديد خط الدولة في التشريع والتنظيم وإمدادها بالرأي القوي المدروس من أهل الإختصاص والبصر بشؤون الدين والدنيا توصلاً إلى تحقيق المصلحة العامة. (١)

وهذه الاتجاهات الثلاثة على ما رأينا لا نراها تبتعد عن منهاج الشريعة الإسلامية, وقد أخذت بعض الدول بالاتجاه الأول وذلك كما هو الحال في الجمهورية اليمنية بالنسبة لمجلس النواب, أما مجلس الشورى فقد جاء بالتعيين وليس هناك ما يمنع من تشكيل مجلسين, أما الاتجاه الثاني فقد أخذت به بعض الدول كالمملكة العربية السعودية التي يصدر فيها مرسومٌ ملكيٌ بتعيين وتسمية أعضاء مجلس الشورى كما هو الحال في نظام مجلس الشورى السعودي الصادر عام ١٤١٢هـ ١٩٩٢م , وأخذ بالاتجاه الثالث بعض الدول كما هو الحال في المملكة الأردنية الهاشمية فمجلس الأمة الأردني يتكون من مجلس النواب ويتألف من أعضاء منتخبين ومن مجلس الأعيان ويتألف من أعضاء يعينهم الملك, فوجود مجالس نيابية تعنى بالشورى في التشريع وسن القوانين وبمنح الثقة للسلطة التنفيذية أو حجبها عنها والموافقة على الموازنة السنوية وعلى المعاهدات والاتفاقات هي ضرورة لا بد منها وكذلك في تقديرنا وجود مستشارين لرئيس الدولة يتشاور معهم في المهام الموكلة إليه ومنها اختيار كبار موظفي الدولة وتحديد المعايير التي يجب أن تتوافر فيمن يتولى الوظائف الهامة فذلك من الضرورة بمكان, فممارسة الأمة للشورى بهذه الكيفية أو بأي كيفية تؤدي إلى قيام الدولة بواجبها وأداء السلطة العامة لوظيفتها على النحو الذي يحبه الله ويرضاه هي فريضة إلهية وضرورة شرعية أرشد إليها القرآن والسنة النبوية وحرص على ممارستها أولو الفضل من الخلفاء الراشدين ومحبوا العدل من التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا, ولا غرابة إن وجد تقارب بين الفكر الإسلامي والفكر الديمقراطي لأن جوهر الفكر هو الأخذ بآراء الناس مجتمعين فيما يصلح شؤونهم, غير أن الفكر الإسلامي يتميز باتباعه لمنهج الله وتمسكه بالعدل, بينما الفكر الديمقراطي لا يتطابق مع الفكر الإسلامي في جزئيات كثيرة, لأن الشورى الإسلامية لم تأت استجابة لضغط جماهيري ولا هي منحة من الحاكم وإنما هي بأمر الله وإرشاده وتوجيهه الذي عالج شؤون البشرية بما يسدد حاجاتها ويصلح شؤونها على أساس من العدل, وهي تقوم على أساس جعل السيادة لتشريع الله عز وجل وللأمة ممارسة السلطة على أساس من العدل بينما الأنظمة الديمقراطية المعاصرة تقوم على جعل السيادة والسلطة معاً للأمة, ولذلك فإنها ترى أنه لا علاقة للدين بتنظيم سلوك الإنسان, ووجد مبدؤ سياسة فصل الدين عن الدولة والإرادة الشارعة في الديمقراطية الوضعية لا تحكمها إلا إرادة الأمة ممثلة بنوابها، وقد سبق بيان ذلك ولهذا نرى أن الشورى الإسلامية هي الشورى المنزهة عن الهوى والعصبية والجهل والاستبداد, فإذا ما ظهر سلوك لا يقره الشرع ولا يرضى به الحق وجب تغييره، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢).


(١) - انظر القيود الواردة على سلطة الدولة في الإسلام وضماناتها للدكتور عبدالله الكيلاني ص٨٣ - ٨٨ الطبعة الأولى.
(٢) - الآية ١٠٤ من سورة آل عمران.

<<  <   >  >>