للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: (ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). (١) أي أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يسير على المنهج الرباني في العمل بالشورى فيما لم يرد فيه نص، وهذا نهجه ومذهبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن أراد التأسي به وجب عليه الإتباع، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (٢) , بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل الشورى في الأمر دليلاً للخير والسعادة ففي صحيح الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاؤكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من باطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاؤكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظاهرها). (٣)

والظاهر أن نصوص القرآن والسنة يعضد بعضها بعضاً في الدلالة على مشروعية الشورى، وقد سبق حديث أنس بن مالك عند الطبراني (ما خاب من استخار ولا ندم من استشار) والحديث وإن كان في سنده ضعف إلا أن له شاهداً يقويه، وروى الطبراني أيضاً في الأوسط من حديث ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(من أراد أمراً فشاور فيه امرءاً مسلماً، وفقه الله لأرشد أموره) (٤) وأورد الزمخشري في الكشاف (ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم). وتعقبه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف فقال: غريب ولم أجده إلا من قول الحسن, وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: أعاده في تفسير سورة الشورى عن الحسن وهو المحفوظ، ومن طريقه أخرجه البخاري. (٥)

ومجموع هذه الأحاديث دالة على مشروعية الشورى. ومما لا ريب فيه أنها أمانة يجب أن يرعاها المستشار والمستشير فهي من الأمانات التي يجب أن يرعاها المسلم, فقد ورد في السنة ما يدل على ذلك ومنه ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المستشار مؤتمن) (٦) , وهذا يؤكد أن الشورى مسؤولية وأمانة فكما هي صفة للمؤمنين فهي أمانة في أعناقهم لا يجوز لهم التخلي عنها ولا ترك العمل بها. وفي الحديث (إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه) (٧) وما ذلك إلا لأن الشورى دين وأمانة، والعمل بها يدخل في عداد النصيحة الواجبة، ففي الحديث الذي رواه أحمد عن حكيم بن زيد عن أبيه عمن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصح له .. ) (٨) , وهذه النصوص واضحة في الدلالة على مشروعية الشورى كقاعدة أساسية في النظام الإسلامي، وأصل من أصول الشريعة الإسلامية ومن عزائم الأحكام فيها، وهي بهذا المعنى كما يقول الدكتور فؤاد محمد النادي لا تقتصر على كونها من القواعد الأساسية للنظام السياسي الإسلامي فحسب، وإنما تمثل الإطار العام والنطاق الذي يجب أن تعمل في حدوده كافة السلطات الحاكمة في الدولة الإسلامية التشريعية


(١) - الترمذي في الجهاد - باب ما جاء في المشورة، حديث ١٧١٤ المكتبة الإسلامية.
(٢) - قرة العينين للإمام البخاري ج١ص٣٨ حديث (٤٥) الناشر دار الأرقم الكويت الطبعة الأولى ١٤٠٤هـ١٩٨٣م.
(٣) - الترمذي في الفتن. باب ٧٨ حديث ٢٢٦٦ وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح المري, وصالح المري في حديثه غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها وهو رجل صالح.
(٤) - رواه الطبراني في المعجم الاوسط ج٨ص١٨١ حديث (٨٣٣٣).
(٥) - تحقيق الكشاف للشيخ عادل أحمد عبدالموجود ١/ ٦٤٧ بذيل الكشاف - مصدر سابق- , وقال الحافظ في الفتح ج ١٣ ص ٣٤٥ (أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم بسند قوي).
(٦) - أبو داود في السنن - كتاب الأدب - باب في المشورة. حديث ٥١٢٨، والترمذي في كتاب الأدب- باب: أن المستشار مؤتمن. حديث ٢٨٢٢، ٢٨٢٣، وقال: حديث حسن غريب. وابن ماجه في كتاب الأدب - باب المستشار مؤتمن حديث ٣٧٤٥، ٣٧٤٦.
(٧) - ابن ماجه في كتاب الأدب - باب المستشار مؤتمن حديث ٣٧٤٧.
(٨) - البناء: أحمد عبدالرحمن البنا الشهير بالساعاتي في الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ج١٩ / ص٦٥ أبواب تعظيم حرمات المسلمين حديث ١٠٣.

<<  <   >  >>