للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول رعيته) (١).

كما أن ولي الأمر يناط به اختيار كبار مسؤولي الدولة ووزرائهم ووكلائهم ورؤساء المصالح والقضاة والمفتين وقادة الجيوش وكبار الضباط, وحقه في كل ذلك مشروط بتحري الصلاحية فيمن يعينهم في تلك المناصب، ويوكل إليهم من مهامها لتكون الأعمال بالكفاءات مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة، والحقوق مضمونة، والحريات والأعراض بالصلحاء مكفولة ومحروسة، (٢) إذ لا يجوز له أن يولي أحداً محاباةً لأي مبرر لعصبية أو حزبية أو غير ذلك فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأقام عليهم أحداً محاباةً فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم) (٣) وفي رواية (من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين) (٤).

ويصعب على ولي الأمر اختيار الرجال دون استشارة أهل التقوى والصلاح، وقد كان هديه صلى الله عليه وآله وسلم الاستشارة في اختيار الولاة كما جاء في الحديث (لو كنت مؤمراً أحداً دون مشورة المؤمنين لأمرت ابن أم عبد) (٥) وقد درج على ذلك المنوال الخلفاء الراشدون, وقد أخرج البخاري في صحيحه تعليقاً: وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها. وأخرج أيضاً تعليقاً في صحيحه أنه كان القراء أصحاب مشورة عمر كهولاً كانوا أو شباناً (٦) , وأثر عن عمر رضي الله عنه أنه استشار في من يوليه على الكوفة حيث أعياه أمرها إن استعمل عليها ليناً استضعفوه، وإن استعمل عليها شديداً شكوه، فقال: وددت لو أني وجدت قوياً أميناً مسلماً أستعمله عليهم، فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنا أدلك على الرّجل القوي الأمين المسلم، فأثنى عليه، قال: من هو؟ قال: عبدالله بن عمر. قال: قاتلك الله، والله ما أردت الله بها). وأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً أنه كان يقول: لا خير في أمر أبرم من غير مشورة. ومما يذكر عنه أنه قال يوماً لأصحابه: أشيروا علي ودلوني على رجل أستعمله في أمر قد أهمني فإني أريد رجلاً إذا كان من القوم وليس أميراً كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه واحداً منهم) (٧) وتتم القصة في أخبار عمر رضي الله عنه لابن الجوزي قالوا: ما نعرف هذه الصفة إلا في الربيع بن زياد الحارث. قال: صدقتم. فولاه. (٨) وفي قصة استشارة عمر رضي الله عنه في حبس أرض العراق والشام وأنه بعد أن استقر الرأي استشارهم فيمن يوليها وأشاروا عليه بتولية عثمان بن حنيف فولاه وفي ذلك ما يفيد الاستشارة في الأمور الإدارية من قبل ولي الأمر وأن الاستشارة في التعيين لمن يصلح في الوظائف العامة ضرورة لا بد منها.

وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من أحرص الخلفاء الراشدين على التزام مبدء الشورى في تصرفاته وأعماله، وكان مستقراً في دينه وضميره أن وحدة الرئاسة في الدولة ومشاركة الآخرين في الرأي أمران ضروريان لتسيير دفة الحكم بصورة سليمة ناجحة، وقد عبر عن ذلك بقوله: أمران جليلان لا يصلح أحدهما إلا بالتفرد ولا يصلح الآخر إلا بالمشاركة وهما الملك والرأي فكما لا يستقيم الملك بالشركة لا يستقيم الرأي بالتفرد (٩). وعلي رضي الله عنه كان يعلم أنه إذا لم يكن لولي الأمر في أي بلد مستشارون فإنه لا يعلم محاسن وزرائه ولا عيوبهم، وقد أرشد الاشتر النخعي عندما ولاه مصر إلى أمور عماله ووزرائه فقال: (انظر في أمور عمالك الذين تستعملهم فليكن


(١) - رواه أحمد والترمذي وأورده السيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالصحة - حديث (٦٣٧٠).
(٢) - انظر مؤلفنا حقوق الإنسان في السنة النبوية - ص (٤٦٠) إلى (٤٩١).
(٣) - رواه الحاكم في المستدرك - كتاب الأحكام - حديث (٧١٠٦).
(٤) - رواه الحاكم في المستدرك، من طريق حسين بن قيس عن ابن عباس وقال صحيح الإسناد،كتاب الأحكام، حديث (٧١٠٥).
(٥) - سبق تخريجه.
(٦) - انظر صحيح البخاري - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) (وأمرهم شورى بينهم) ص ١٤٦٦.
(٧) - أورد ذلك د. عبدالحميد متولي في مبدأ الشورى في الإسلام - ص ٢١. نقلاً عن الإدارة في عز الإسلام - ص ٣٤. للأستاذ محمد كردعلي.
(٨) - انظر أخبار عمر رضي الله عنه لابن الجوزي ص ١٤٠.
(٩) - انظر د. عزالدين التميمي في الشورى بين الأصالة والمعاصرة. الناشر: دار البشير - الطبعة الأولى - ١٤٠٥ - ١٩٨٥م - ص ١٠١.

<<  <   >  >>