للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان السلطان أبو حمود موسى بن يوسف الممدوح في هذه القصيدة يحتفل لليلة مولد رسول الله) غاية الاحتفال، كما كان ملوك المغرب والأندلس في ذلك العصر وما قبله يعتنون بذلك، ولا يقع منهم فيه إغفال؛ وقد تقدم أنَّ العزفي صاحب سبته هو الذي سن ذلك في بلاد المغرب، وأتى بزلفى تدينه إلى الله وتقرب؛ واقتفى الناس سننه، وتقلدوا مننه؛ تعظيماً للجناب الذي وجب له السمو والعلو، على أنَّ بعضهم قد خرج في ذلك إلى حدّثني الإسراف والغلو؛ وكل يعمل على شاكلته.

ومن جملة احتفال السلطان أبي حمو المذكور ما قاله صاحب راح الأرواح: " أنّه كان يقيم ليلة الميلاد النبوي، على صاحبه الصلاة والسلام، بمشورة من تلمسان المحروسة، مدعاةً حفيلة، يحشر فيها الناس خاصة وعامة، فما شئت من نمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة؛ وبسط موشاة، ووسائد بالذهب مغشاة؛ وشمع كالأسطوانات، وموائد كالهالات؛ ومباخر صفر منصوبة كالقباب، يخالها المبصر من تبر مذاب؛ ويفاض على الجميع أنواع الأطعمة، كأنها أزهار الربيع المنمنمة؛ تشتهيها الأنفس وتستلذها النواظر، ويخالط حسن رياها الأرواح ويخامر؛ رتب الناس فيها على مراتبهم ترتيب احتفال، وقد علت الجميع أبهة الوقار والإجلال؛ وبقرب ذلك يحتفل المسمعون بأمداح المصطفى عليه الصلاة والسلام، ومكفرات ترغب في الإقلاع عن الآثام؛ يخرجون فيها من فن إلى فن، ومن إلى فن، ومن أسلوب إلى أسلوب؛ ويأتون من ذلك بما تطرب له

<<  <  ج: ص:  >  >>