ومن الغريب ما يحكى أنَّ أمير المؤمنين أراد الفصد فقعد في البهو بالمجلس الكبير المشرف بأعلى مدينته بالزهراء وأستدعى الطبيب لذلك وأخذ الطبيب المبضع وجس عضد الناسر فبينما هو كذلك إذ أطل زرزور فصعد على إناء ذهب بالمجلس وأنشد:
أيها الفاصد رفقا ... بأمير المؤمنينا
إنما تفصد عرقا ... فيه محيا العالمينا
وجعل يكرر ذلك المرة بعد المرة فاستظرف أمير المؤمنين الناصر ذلك عاية الاستظراف وسر به غاية السرور وسأل عمن أهتدى إلى ذلك وعلم الزرزور فذكر له أنَّ السيدة الكبرى مرجانة أم ولده ولي عهد الحكم المستنصر بالله صنعت ذلك وأعدته لذلك الأمر فوهب لها ما ينيف على ثلاثين ألف دينار.
والناصر المذكور هو الباني لمدينة الزهراء العظيمة المقدار. وكان يعمل في جامعها حين شرح فيه من حذاق الفعلة كل يوم ألف نسمة منها ثلاث مائة بناء ومائتا نجار وخمس مائة من الأجراء وسار أهل الصنائع فاستتم بنيانه وإتقانه في مدة ثمانية وأربعين يوما وجاء غاية الإتقان من خمسة أبهاء عجيبة الصنعة. وطوله من القبلة إلى الجوف حاشي المقصورة ثلاثون ذراعا وعرض البهو الأوسط من أبهائه من الشرق إلى الغرب ثلاث عشرة ذراعا وعرض كل بهو من الأربعة المكتنفة له أثنتا عشرة ذراعا وطول