صحنه المكشوف من القبلة إلى الجوف ثلاث وأربعون ذراعاً، وعرضه من الشرق إلى الغرب إحدى وأربعون ذراعاً، وجميعه مفروش بالرخام الخمري؛ وفي وسطه فوارة يجري فيها الماء؛ فطول هذا المسجد أجمع من القبلة إلى الجوف سوى المحراب سبع وتسعون ذراعاً، وعرضه من الشرق إلى الغرب تسع وخمسون ذراعاً، وطول صومعته في الهواء أربعون ذراعا، وعرضها، عشر أذرع في مثلها. وأمر الناصر لدين الله باتخاذ منبر بديع لهذا المسجد؛ فصنه في نهاية من الحسن، ووضع في مكانه منه، وحظرت حوله مقصورة عجيبة الصنعة. وكان وضع هذا المنبر في مكانه من هذا المسجد عند إكماله، وذلك يوم الخميس لسبع بقين من شعبان من سنة تسع وعشرين وثلاث مائة.
وكان في صدر هذه السنة كمل الناصر بنيان القناة الغريبة الصنعة، التي أجرى فيها الماء العذب من جبل قرطبة إلى قصر الناعورة غربي قرطبة، في المناهر المهندسة، وعلى الحنايا المعقودة، ويجري ماؤها بتدبير عجيب، وصنعة غريب محكمة، إلى بركة عظيمة، عليها أسد عظيم الصورة، بديع الصنعة، شديد الروعة، لم يشاهد أوفى منه ولا أبهى منه فيما صور الملوك في غابر الدهر، مطلي بذهب إبريز، وعيناه جوهريتان، لهما وميض شديد. يجوز هذا الماء إلى عجز هذا الأسد، فيمجه في تلك البركة من فيه، فيبهر الناظر بحسنه وروعة منظره، وثجاجة صبه، فتسقى من مجاجة جنان هذا القصر على سعتها، ويستفيض على ساحاته وجنباته، ويمد النهر الأعظم بما فضل منه، فكانت هذه القناة وبركتها، والتمثال الذهب الذي يصب فيها، من أعظم آثار الملوك في