وكانت قرطبة إذ ذاك أم المدائن، وقاعدة الأندلس، وقرارة الملك، وكان عدد شرطاتها أربعة آلاف وثلاثة مائة، وكانت عدة الدور التي في القصر الكبير أربع مائة دار ونفيا وثلاثين، وكانت عدة دور الرعايا والسواد بها، والواجب على أهل المبيت في السور، مائة ألف دار، وثلاثة عشر ألف دار، حاشى دور الوزراء وأكابر الناس والبياض، وعدد أرباضها ثمانية وعشرون، وقيل أحد وعشرون؛ ومبلغ المساجد بها ثلاثة آلاف وثمان مائة وسبعة وثلاثون مسجداً؛ وعدد حمامات المبرزة للناس سبع مائة حمام، وقيل ثلاث مائة؛ ووسط الأرباض قصبة قرطبة، التي تختص بالسور دونها. وأما اليتيمة التي كانت في القص في المجلس البديع؛ فإنها كانت من تحف قصر اليونانيين، بعث بها صاحب القسطنطينية إلى الناصر مع تحف كثيرة سنية. وكان القاضي منذر بن سعيد البلوطي ممن يكرمه الناصر ويجله، وولاه قضاء جماعته؛ وكان أوّل الأسباب في معرفته بالناصر، وزلفاه لديه، إنَّ الناصر لمّا احتفل بالجلوس لدخول رسل ملك الروم الأعظم صاحب القسطنطينية عليه بقصر قرطبة، الاحتفال الذي اشتهر ذكره في الناس، حسبما تقدم بعض الإلماع به، أحب أنَّ يفوم الخطباء والشعراء بين يديه، لتذكر جلالة مقعده، وعظيم سلطانه، وتصف ما تهيأ له من توطيد الخلافة في دولته. وتقدم إلى الأمير الحكم ابنه وولي عهده، بإعداد من يقوم بذلك من الخطباء، ويقدمه أمام نشيد