وقال يتغزل أيام جرى في ميدان الصبا متهافتاً وأبدى له الجوى نفساً خافتاً؛ وهو من أبدع أنواع الاستعطاف، وأحسن من النور عند القطاف؛ خضع فيه لمحبوبه وذل، وهان له وابتذل؛ ورضى بما سامه من العذاب، وبذل نفسه في رشفة من ثناياه العذاب؛ وتشكى من جوره وحيفه، وبكى حتى من اجتناب طيفه؛ واستدعى رضاه، وخلع ثوب التناسك ونضاه؛ ونحا في استلطافه أرق منحى وتصام عن قول من عذل ولحى؛ وهذا غرض من كواه الغرام وسبيل من رام من الوصال ما رام؛ فما مع الهوى عز ولا صبر، وما هو إلاّ ذل أو قبر.
والقطعة:
أبا عامرٍ أنت الحبيب إلى قلبي ... وإنْ كنت دهراً من عتابك في حربِ
أتعرض حتى بالخيال لدى الكرى ... وتبخل حتى بالسلام مع الركب
كأني أخو ذنبٍ يجازي بذنبه ... وما كان لي غير المودة من ذنبِ
فيا ساخطاً هل من رجوع إلى الرضا ... ويا نازحاً هل من سبيل إلى القرب
ويا جنة الفردوس هل يقطع العدا ... بجريا لك المختوم أو مائك العذبِ
ويا بائناً بان العزاء بينه ... فأصبحت مسلوب العزيمة والقلبِ