ربها من الشمال لأنها بها يأخذ، وبها يعطي، وبها يبطش، وهي مكرمة عنده، قد أهلت لطعامه وشرابه واستغفاره وأذكاره، والشمال مؤهلة لاستنجائه، واستنثاره، والمهنة الدنية، واسم اليمين مشتق من اليمن، وهو البركة، واسم الشمال مشتق من الشؤم، وهو ضد البركة، ولهذا حض الشارع صلى الله عليه وسلم على التيامن، فقال لأنس لما أراد سقي أبكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو على شمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى يمينه أعرابي: اسق الأعرابي الأيمن فالأيمن.
وقالت عائشة رضي الله عنها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن حتى في وضوئه وانتقاله، وقال عمرو بن كلثوم وافر:
صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وقال الله تعالى:" وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود " وقال بعد ذلك: " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم " فكأن هذا الشاعر قال لممدوحه: ألم أكن مكرماً عندك فلا تجعلني مهاناً وكنت منك في المكان الشريف، فلا تتركني في المنزل الوضيع، وما سمعت في هذا الباب كقول شاعر الحماسة كامل:
وإذا الرياح مع العشي تناوحت ... نبهن حاسدة وهجن غيورا
لأنه أراد أن يقول: أبدين خمص بطنها ودقة خصرها ورجاجة ردفها،