وهو الذي سماه من بعد قدامة التمكين، وهو أن يمهد الناثر لسجعة فقرته، أو الناظم لقافية بيته، تمهيداً تأتي القافية به متمكنة في مكانها، مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة، متعلقاً معناها بمعنى البيت كله تعلقاً تاماً، بحيث لو طرحت من البيت اختل معناه واضطرب مفهومه، ولا يكون تمكنها بحيث يقدم لفظها بعينه في أول صدر البيت، أو معنى يدل عليها في أول الصدر، أو في أثناء الصدر، ولا أن يفيد معنى زائداً بعد تمام معنى البيت، فإن الأول يسمى تصديراً والثاني توشيحاً، والثالث إيغالاً، ولا يقال لشيء من ذلك تمكين ألبتة، وقد جاء من ذلك في فواصل الكتاب العزيز كل عجيبة باهرة، ومنه قوله تعالى:" قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد " فإن هذه الآية الكريمة لما تقدم فيها ذكر العبادة والتصرف في الأموال كان ذلك تمهيداً تاماً لذكر الحلم والرشد، لأن الحلم: العقل الذي يصح به التكليف، والرشد حسن التصرف في الأموال، وكقوله تعالى: " سبحان الذي خلق الأزواج