المناسبة على ضربين: مناسبة في المعاني، ومناسبة في الألفاظ، فالمعنوية أن يبتدئ المتكلم بمعنى ثم يتمم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ، كقول الله سبحانه وتعالى:" لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " فإنه سبحانه لما قدم نفي إدراك الأبصار له، عطف على ذلك قوله:" وهو اللطيف " خطاباً للسامع بما يفهم، إذ معترف العادة أن كل لطيف لا تدركه الأبصار ألا ترى أن حاسة البصر لا تدرك إلا اللون من كل متلون، والكون من كل متكون، فإدراكهما إنما هو للمركبات دون المفردات، ولذلك لما قال:" وهو يدرك الأبصار " عطف على ذلك قوله " الخبير " تخصيصاً لذاته سبحانه بصفات الكمال، لأن كل من أدرك شيئاً كان خبيراً بذلك الشيء، ومثل ذلك قوله عز وجل:" قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون " لما كان سبحانه هو الجاعل الأشياء على الحقيقة، وأضاف إلى نفسه جعل الليل سرمداً إلى يوم القيامة، صار الليل كأنه سرمداً بهذا التقدير، وظرف الليل ظرف مظلم لا ينفذ فيه البصر، لا سميا وقد أضاف الإتيان