" واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " وكقوله عز وجل: " واشتعل الرأس شيباً ".
ولا بد في الاستعارة من اعتبار ثلاثة أشياء أصول: مستعار، ومستعار منه، ومستعار له. فالمستعار في الآية الأخيرة: الاشتعال، والمستعار منه: النار، والمستعار له: الشيب، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النار لبياض الشيب، وفائدة ذلك وحكمته وصف ما هو أخفى بالتشبيه لما هو أظهر، وقد جاء الكلام في الاستعارة التي في الآية الأخيرة على غير وجهه، فإن وجه الكلام فيها أن يقال: واشتعل شيب الرأس، وإنما قلب لما يحصل في قلبه من المبالغة لكونه في حالة القلب يستفاد منه عموم الشيب لجميع الرأس، ولو جاء الكلام على وجهه لم يفد ذلك العموم، ومثال ذلك أنك لو قلت في مثاله اشتعلت النار في البيت: لصدق هذا القول على اشتعال النار في جانب واحد من البيت دون بقية جوانبه، وإذا قلت: اشتعل البيت ناراً أفاد هذا القول أن النار قد شملت جميع نواحي البيت