والاحتراس لا يكون إلا في نفس الكلام، وسيأتي بيان المواربة وأمثلتها في بابها.
والفرق بين الاحتراس، والمناقضة والانفصال، أن الاحتراس هو ما فطن له الشاعر أو الناثر وقت العمل فاحترس منه. والانفصال ما لم يفطن له حتى يدخل عليه، فيأتي بجملة من الكلام، أو بيت من الشعر ينفصل به عنه ذلك الدخل.
والفرق بين المواربة والانفصال، أن المواربة تكون كما تقدم في كلمة من الكلام، أو في كلام منفصل عنه، والانفصال لا يكون إلا ببيت مستقل، أو جملة منفردة، عن سياق الكلام متعلقة به، داخلة فيه.
من أمثلة الاحتراس في الكتاب العزيز قوله تعالى:" وقيل بعداً للقوم الظالمين " فإنه تعالى لما أخبر بهلاك من هلك بالطوفان، أعقبه بالدعاء على الهالكين ووصفهم بالظلم ليعمل أن جميعهم كان مستحقاً للعذاب احتراساً من ضعيف بتوهم أن الهلاك ربما شمل من لا يستحق العذاب، فلما دعا على الهالكين ووصفهم بالظلم علم استحقاقهم لما نزل بهم، وحل بساحتهم وظهر من ذلك صدق وعده لنبيه نوح عليه السلام، وأعملنا أنه قد أنجزه وعده الذي قال فيه:" ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون "، وأعجب احتراس وقع في كتاب الله الكريم قوله سبحانه:" ما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر "، فإنه تبارك وتعالى لما نفى عن حبيبه ورسوله