موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكته ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها، وقد آذنت ببينها ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها فمثلت لهم ببلائها الإبلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور، راحت بعاقبة، وابتكرت بفجيعة، ترغيباً وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمها رجال غداة الندامة، وحمدها آخرون يوم القيامة، ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتعظوا، فقلت ناظماً لمعاني هذه الخطبة على أحد طريقي البلاغة، وهو الإيجاز خفيف:
من يذم الدنيا بظلم فإني ... بطريق الإنصاف أثنى عليها
وعظتنا بكل شيء لو أنا ... حين جدت في الوعظ من مصطفيها
وأرتنا الوجهين منها فهمنا ... للهوى بالبيان من وجهيها
نصحتنا فلم نر النصح نصحاً ... حين أبدت لأهلها ما لديها
أعلمتنا أن المآل يقينا ... للبلى حين جددت عصريها
كم أرتنا مصارع الأهل والأح؟ ... باب لو نستفيق بين يديها