من قصده بذلك أنه عارف بجهله، وأنه يموت وما علم سوى ذلك من نفسه، وهذا أصدق الشعر الذي استحسنه أكثر الفحول، وجاءت أكثر أشعارهم عليه، ولو كان قال: إنه يموت وما علم بجهله لكان ذلك إغراقاً، فلا تثبت له مبالغة إلا بوجه بعيد، وذلك أنه أثبت لنفسه الجهل المحض، ونفى عنها العلم بتة، وهو لا بد وأن يكون عالماً بشيء ما، فنفيه كل العلم عنه وهو يعلم بعضه إنما هو من جهة المبالغة.
ولي في هذا المعنى بيت من أبيات ما به من بأس، وهو من أمثلة الباب طويل:
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل ... فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
وبيت امرئ القيس في صفة النار الذي قدمت ذكره في باب المبالغة هو بالإغراق أولى، وقد أشرت إلى ذلك متقدماً عند ذكره وهو طويل:
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي