ذلك في القرآن قوله تعالى:" قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " فإنه سبحانه لو اقتصر على قوله: " ولم تؤمنوا " لكان فيه تنفير لكونهم ظنوا الإقرار بالشهادتين من غير اعتقادهما إيماناً، فأوجبت البلاغة أن يستدرك ما استدركه، ليعلمهم أن حقيقة الإيمان موافقة الجنان للسان بالتصديق، بدليل قوله:" ولما يدخل الإيمان في قلوبكم " فلما تضمن الاستدراك إيضاح ما أشكل عليهم عد من المحاسن، إذ صار الكلام به موصوفاً بحسن البيان لما أقام من الحجة عليهم.
وهذا من الباب الذي قبل هذا، وإنما ذكرته هاهنا لما ذكرت أن الاستدراك والاستثناء الصناعيين لا بد أن يكون في كل واحد منهما معنى زائد غير ما وضع له يدخله في المحاسن.
والاستثناء كقوله تعالى:" فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس " فإن في هذا الكلام معنى زائداً على مقدار الاستثناء، وذلك تعظيم أمر الكبيرة التي أتى بها إبليس من كونه خرق إجماع الملائكة، وفارق جميع الملإ الأعلى، بخروجه مما دخلو فيه من السجود لآدم، وذلك بمثابة قولك: أمر الملك بكذا وكذا فأطاع أمره جميع الناس من أمير ووزير إلا فلاناً، فإن الإخبار عن معصية هذا العاصي بهذه الصيغة مما يعظم أمر معصيته، ويفخم مقدار كبيرته بخلاف قولك: أمر الملك بكذا وكذا