العرب تقول رمح ذابل إذا كان صلب الكعوب، ومن ذلك قولهم ذبلت شفتاه إذا يبستا، ولا تعرف العرب الذابل إلا اليابس الذي جفت رطوبته، ومن ذلك قولهم: نوارة ذابلة إذا جف ماؤها وأخذت في اليبس، وأوب تمام لا يشك أحد أنه أبصر من الآمدي باللغة، وأقعر منه بمعرفة اللسان العربي، ويقرب من هذا البيت قول البحتري طويل:
فأحجم لما لم يجد فيك مطمعاً ... وأقدم لما لم يجد عنك مهربا
فناسب بين أحجم وأقدم مناسبة تامة، وكذلك بين قوله: فيك وعنك، ومطمعاً ومهرباً، إلا أن مناسبة هاتين الجملتين غير تامة، وقد حصل في هذا اللفظ أيضاً المطابقة في أحجم وأقدم، والمساواة والائتلاف والتمكين، فقد استوى هو وبيت أبي تمام فيما ذكرنا وزاد عليه بيت أبي تمام بالتشبيه والاستثناء، ففضل بيت أبي تمام بالمعاني، وفضل بيت البحتري بالألفاظ، لأن ألفاظه أكثر استعمالاً وأعذب مذاقاً، وللمناسبة التامة فيه نصاعة وظهور أكثر من المناسبة التي في بيت أبي تمام، وإذا قست ما بين البيتين بما قدمت من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم سقطا دون كل جملة منه، إذ كل جملة منه يلي بعضها بعضاً؛ ومفردات الألفاظ تسير إلى معاني شتى، وإلا فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم تهدي بها قلبي، وما يحصل بها من منافع الدنيا والآخرة، ويتوقى من مضار الدنيا والآخرة بهدية القلب، والى قوله " وتجمع