للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومخرق عنه القميص تخاله ... بين البيوت من الحياء سقيما

حتى إذا رفع اللواء رأيته ... تحت اللواء على الجيوش زعيما

وقالوا: لا يتحاج إلى أن يجذب لقضاء الحوائج حتى تتخرق قميصه إلا متقاعد عن الحوائج، وهذا الاعتراض غير جار على طريق الحق، فإن المعطي لا بد وأن يعطى بسبب من نفسه عشقاً في العطاء، فلا يحتاج إلى أحاديث تجذبه، وإما أن يعطي بسبب من خارج، والأول مطاوع لغرض نفسه، مسكن لغليل قلبه، ليست عليه مشقة في عطية، والأجر على قدر المشقة، وقد تقدم ذكر هذا الفصل، ونحن هاهنا مفتقرون إلى إعادته، والمشكور كل الشكر من غالب نفسه الأمارة، وأرغم أنف شيطانه، وأعطى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المتصدق لا يخرج الصدقة حتى يفكها من لحيي سبعين شيطاناً " أو كما قال، وقال صلى الله عليه وسلم " إنما الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخاف الفقر، وتأمل الغنى "، وخير المعطين من كان السبب الذي يجذبه إلى العطاء، سماع المدح والثناء، فقد ثبت أن بيتي عدي وأبي تمام مبرآن مما وسما به من العيب، وكذلك بيت الأخيلية، وهو يزيد عليهما بما تضمن من وصف الممدوح بالصبر على أذى أرباب الحوائج، والرضا من العيش بأدنى ملبس وأدنى عيش، مع القدرة التي دلت عليها بقولها:

............ رأيته ... تحت اللواء على الجيوش زعيما

فلزم من ذلك أن لذته في اقتناء المحامد، لا في انتخاب الملابس، وما قيل إنه أحوج ذوي الحاجات إلى تخريق قميصه مدفوع بوصفها الممدوح

<<  <   >  >>