ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً " فإنك إذا نظرت إلى قوله تعالى: " وآتينا موسى الكتاب " وجدت هذا الفصل مبايناً لما قبله حتى تفكر فتجد الوصل بين الفصلين في قوله: " سبحان الذي أسرى بعبده " فإنه سبحانه أخبر بأنه أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم ليريه من آياته، ويرسله إلى عباده، كما أسرى بموسى من مصر ين خرج منها خائفاً يترقب، فأتى مدين، وتزوج بابنة شعيب، وأسرى بها فرأى النار، فخاطبه ربه وأرسله إلى فرعون، وآتاه الكتاب، فهذا الوصل بين هذين الفصلين، وأما الوصل بين ما ذكرت وبين قوله تعالى: " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً " فقد كان على بني إسرائيل نعمة عليهم قدماً حيث نجاهم في السفن، إذ لو لم ينج أباهم من أبناء نوح لما وجدوا، وأخبرهم أن نوحاً كان شكوراً، وهم ذريته، والولد سر أبيه، فيجب أن يكونوا شاكرين كأبيهم.
وأما في الشعر فأتم الناس براعة في التخلص وأول من أحسن في ذلك من القدماء في غالب ظني زهير، حيث قال بسيط
إن البخيل ملوم حيث كان ول؟ ... كن الكريم على علاته هرم
ولقد اتفق له في هذا البيت اتفاق صالح حيث جاء مدمجاً من جهة عروضه، فامتزج المعنيان والقسيمان امتزاجاً كلياً لفظياً ومعنوياً مع ما وقع في البيت من المطابقة اللفظية، ثم تأنث المتأخرون في ذلك، فمن